قائمة الروابط
محافل مميزه
الارشيف
لمتابعة جديد الموقع
حجر رشيد واللغة المصرية القديمة
6:39 م |
Posted by
حتشبسوت الصغيرة
ان الدارس للحضارة المصرية لابد وان يلم بمفتاح فك رموز اللغة المصرية القديمة من خلال حجر رشيد . والحديث عن هذا الأثر الهام يتطلب منا ان نلم بأربعة عناصر هى : الحجر , المكان , الزمان , الانسان .
انا الحجر : فهو من البازلت الاسود , واما المكان : فهو " رشيد " ( احدى مدن محافظى البحيرة ) , واما الزمان فهو : 196 ق . م ( 1799 م ) . واما التاريخ الاول فهو تاريخ تسجيل النص على الحجر فى عهد الملك بطلميوس الخامس , واما التاريخ الثانى فهو عامل كشف عن هذا الحجر من قبل جنود الحملة الفرنسية اثناء قيامهم بحفر خندق حول قلعة " سان جوليان " بالقرب من " رشيد " , واما الانسان فهو العالم الفرنسى الشاب " شامبليون " .
ومن حسن حظ الحضارة المصرية ان كشف عن حجر رشيد ( عام 1799 م ) ,ذلك الحجر الذى ضم مفاتيح اللغة المصرية القديمة , والذى لولاه لظلت الحضارة المصرية غامضة لاندرى من امرها شيئا , لاننا لم نكن نستطيع ان نقرأ الكتابات التى دونها المصريون القدماء على اثارهم .
فقد حصل الشاب الفرنسى " شامبليون " , كما حصل غيره من الباحثين , على نسخة من الحجر وعكف على دراسته مبديا اهتماما شديدا بالخط الهيروغليفى , ومعتمدا على خبرته الطويلة فى اللغة اليونانية القديمة , وفى اللغات القديمة بوجه عام .
وحجر رشيد ( المحفوظ حاليا بالمتحف البريطانى ) من البازلت الاسود غير منتظم الشكل , ارتفاعه 113 سم , وعرضه 75 سم , وسمكه 27.5 سم , وقد فقد اجزاء منه فى اعلاه واسفله . ويتضمن الحجر من بين ما يتضمن مرسوما صدر حوالى عام 196 ق . م من قبل الكهنة المجتمعين فى مدينة " منف " ( ميت رهينة - مركز البدرشين - محافظة الجيزة ) يشكرون فيه الملك " بطلميوس الخامس " لقيامة بوقف الاوقاف على المعابد , واعفاء الكهنة من بعض الالتزامات وقد سجل هذا المرسوم بخطوط ثلاثة هى حسب ترتيب كتابته من اعلى الى اسفل : الهيروغليفى , والديموطيقى , واليونانى . وقد فقد الجزء الاكبر من الخط الهيروغليفى , وجزء بسيط من الجزء اليونانى .
لقد اراد الكهنة ان يسجلو هذا العرفان بالفضل للملك البطلمى بالخط الرسمى ( وهو الخط الهيروغليفى ) , وخط الحياة اليومية السائد فى هذه الفتره ( وهو الخط الديموطيقى ) , ثم بالخط اليونانى الذى كتبت به لغة البطالمة الذين كانوا يحتلون مصر آنذاك . وكان المكتشفون للحجر قد اقترحوا ان الحجر يتضمن نصا واحدا بخطوط ثلاثة مختلفة , واتضح فيما بعد ان اقتراحهم كان صائبا . وبعد نقل الحجر الى القاهرة , امر " نابليون " باعداد عدة نسخ منه لتكون فى متناول المهتمين بالحضارة المصرية فى اوروبا بوجه عام , وفى فرنسا بوجه خاص .
وكان الحجر قد وصل الى بريطانيا " عام 1802 " بمقتضى اتفاقية ابرمت بين انجلترا وفرنسا , وتسلمت انجلترا بمقتضاها الحجر واثار اخرى وبدأ الباحثون بترجمة النص اليونانى , وأبدى الباحثان " سلفستر دى ساسى " و " أكربلاد " اهتماما خاصا بالخط الديموطيقى . وجاءت اولى الخطوات الهامة فى مجال الخط الهيروغليفى على يد العالم الانجليزى " توماس يونج " الذى حصل على نسخة من حجر رشيد ( عام 1814 م ) , وافترض ان " الخارطيش " تحتوى على اسماء ملكية , واعتمد على نصوص اخرى مشابهة , كالمسلة التى عثر عليها فى فيلة ( عام 1815 م ) , والتى تضمنت نصا باليونانية , واخر بالهيروغليفية . ورغم كل الجهود السابقة فى فك رموز حجر رشيد , الا ان الفضل الاكبر يرجع للعالم الفرنسى " جان فرانسوا شامبليون " ( 1790 - 1832 م ) .
كان على شامبليون ان يواجه مجموعة من الافتراضات ,
اولها : هل الخطوط الثلاثة ( الهيروغليفى , والديموطيقى , واليونانى ) تمثل ثلاثة نصوص مختلفة من حيث المضمون , ام انها تمثل موضوعا واحدا , ولكنه كتب بالخط الرسمى " الهيروغليفى " , وخط الحياة اليومية السائد فى هذه الفترة " الديموطيقى " , ثم بلغه اليونانيون الذين كانوا يحتلون مصر .
وثانيها : يتعلق ببنية الكلمات المصرية , وهل تقوم الكتابة على ابجدية , اى مجموعة محددة من الحروف كاللغات الحديثة مثلا ؟ ام انها كتبت بعلامات تراوحت قيمتها الصوتية بين حرف او حرفين او ثلاثة او ربما اكثر .
وثالثا : هل عرفت هذه الكتابة حروف الحركة ؟ وهل العلامات تصويرية ام صوتية ؟ وما هى الادوات التى استخدمها المصرى لتحديد معنى المفردات ؟ وهل استخدمت المخصصات والعلامات التفسيرية ؟ .... ألخ .
لابد وان هذه وان هذه الافتراضات والتساؤلات وغيرها كانت تدور فى ذهن " شامبليون " وهو يتعامل مع الحجر , ولابد انه قد استرعى انتباهه ان هناك اكثر من خط للغة المصرية القديمة فضلا عن ساؤلات , منها : هل هناك من علاقة خطية بين الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية ؟ وهل هناك من علاقة لغوية فى مجال القواعد والصرف .. ألخ , ثم ما هذه العلامات الاسطوانية فى النص الهيروغليفى , والتى تحيط ببعض العلامات الهيروغليفية , والتى عرفناها فيما بعد بأسم الخرطوش , ما تعنى ؟
لقد قرأ " شامبليون " النص اليونانى , وفهم مضمونه , وقرأ اسم الملك " بطلميوس " , والواضح انه سلك منهج الاعتماد على اسماء الاعلام غير القابلة كثيرا للتغيير من الناحية الصوتية " النطق " وتحرك من فرضية ان هذا المرسوم الذى صدر فى عهد الملك " بطلميوس الخامس " ( عام 196 ق . م ) لابد وانه قد كتب الى جانب اليونانية بخطين من خطوط اللغة الوطنية . ولابد ان اسم " بطلميوس " باليونانية سوف يقابل بأحرف مماثلة صوتيا فى الخطين الهيروغليفى والديموطيقى وذلك فى ضوء خبرة " شامبليون " فى الخطوط القديمة , ودراسته للقبطية على اعتبار مااتضح له فيما بعد انها المرحلة الاخيرة من مراحل اللغة المصرية القديمة وفى ظل ادراكه بأن الحروف الساكنه لاسماء الاعلام لا تتغير مهما تعددت اللغات التى كتبت بها , ففى العربية نجد ان اسماء مثل " مجدى " لا يمكن للحروف الثلاثة الاولى منه ان تسقط , وكذلك " حسن " , وان خففت بعض الحروف او انقلبت ابدلت , الا ان الصعوبة سوف تتمثل فى حروف الحركة التى تحدد نطق السواكن بالفتحه او بالضمة او بالكسرة .
ولخلو اللغة المصرية القديمة من حروف الحركة يجىء الاختلاف فى نطق السواكن ,الا ان القبطية التى ظهرت فيها حروف الحركة حسمت الامر الى حد كبير .
وقد تضمن حجر رشيد " خرطوشا " واحدا تكرر ست مرات , وضم اسم الملك بطلميوس , وهو الاسم الذى ورد على مسلة " فيلة " , بالاضافة الى اسم " كليوباترا "
سجل " شامبليون " العلامات الواردة فى خرطوش " بطليموس " ورقمها , وفعل نفس الشىء بالنسبة لخرطوش " كليوباترا " الوارد على مسلة فيلة , نظرا لاشتراك الاسمين فى القيم الصوتية لبعض العلامات , كالباء والتاء واللام والياء .
وسجل نفس الاسمين باليونانية ورقم كل حرف منها ,وقابل العلامة الاولى من اسم "بطليوس"بالهيروغليفية,وما يقابلها فى اسمة باليونانية فى اطار المنهج الذى اشرت الية من قبل ,والذىمؤداة ان الثوابت فى اسماء الاعلام لاتتغير ,وامكن لة بذلك ان يتعرف على القيمة الصوتية لبعض العلامات الهيروغلفية اعتمادا على قيمها الصوتية فى اليونانية وبمزيد من الدراسات المقارنة امكن "لشامبليون " يتعرف على القيم الصوتية لكثير من العلامات .
وفى عام 1822 اعلن " شامبليون " على العالم انه تمكن من فك رموز اللغة المصرية القديمة , وان بنية الكلمة فى اللغة المصرية لا تقوم على ابجدية , وانما تقوم على علامات تعطى القيمة الصوتية لحرف واحد , واخرى لاثنين , وثالثه لثلاثة , واكد استخدام المخصصات فى نهاية المفردات لتحديد معنى الكلمة وهكذا " شامبليون " اللبنات الاولى فى صرح اللغة المصرية القديمة , وجاء من بعده المئات من الباحثين اللذين اسهموا فى استكمال بناء هذا الصرح الشامخ . وبمعرفة اللغة المصرية القديمة بدأ الغموض ينجلى عن الحضارة المصرية , واخذ علم المصريات يشق طريقه بقوة بين العلوم الأخرى .
________________________________________
الموضوع من كتاب / اللغة المصرية القديمة .
الاستاذ الدكتور / عبد الحليم نور الدين .
استاذ اللغة المصرية القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة .
Labels:
تطور اللغة الفرعونية