المكتبة

محافل مميزه

الارشيف

لمتابعة جديد الموقع

البريد الإلكتروني " الإيميل "

المجتمع المصرى القديم


المجتمع المصرى القديم
شبه جون ويلسون J. Wilson الدولة والمجتمع المصرى القديم بالهرم ، ثم وضع فى أعلى الهرم ، هرم صغير مستقل ، رأى أنه يمثل الملك الذى يحكم فوق وزرائه ، الذين كانوا بدورهم فوق حكام الأقاليم ، ومن الناحية الاجتماعية كان الملك فوق النبلاء الذين كانوا بدورهم فوق الفنانين وصغار التجار والعمال والفلاحين . وهكذا كان المجتمع المصرى القديم يتكون فى أول أمره من طبقتين بينهما فرق واضح ، طبقة عليا وهى الحاكمة ، وعلى رأسها الملك وأسرته وحاشيته ، ومن حولهم كبار موظفى الدولة وأمراء الأقاليم وكبار الكهنة ، ثم طبقة دنيا وهى العاملة الكادحة التى تتكون من عمال الزراعة والصناعة والصيادين والملاحين والرعاة والخدم وجميع أصحاب الحرف الذين يعملون فى الخدمات العامة والخاصة . 
● وتشير آثار الأدباء و الحكماء إلى
هذا النظام الطبقى ، حيث نجد الحكيم « إيبو – ور » يحدثنا فى تحذيراته كيف ساد الوضيع على الرفيع ، وكيف أن الذين لم تكن لهم أسر معروفة قد أصبحوا من أبناء اليسار ، وكيف أخذ الجوع والفقر بأبناء البيوتات العريقة . وقد تقدمت الحياة بالناس إلى زمان الدولة الوسطى ، و نشأت بين الطبقتين المذكورتين طبقة ثالثة ، هى الطبقة الوسطى ، وهى طبقة حرة قوامها صغار الموظفين و التجار و أصحاب الحرف الممتازة .
■ الطبقة العليا ■
- كان على رأس هذه الطبقة الملك الذين آمن المصريون القدامى بأنه إله تكرم وأقام فوق أرض مصر ليحكم الناس بمقتضى الحق الإلهى الموروث ، على أن الملك رغم هذه المكانة المقدسة التى كان يحتلها لم يعش فى برج من عاج ، ولم يعزل نفسه عن شعبه ، بل كان شديد الاتصال به ، ذلك أنه على الرغم من الحقوق التى كان يتمتع بها الملك ، كان عليه عدة واجبات ، فهو المسئول عن الدفاع عن مصر و حماية حدودها من غارات الشعوب المجاورة والطامعة فى خيراتها ، ثم يستمع لشكوى الناس ، ويعنى بشئونهم ، ويهتم بمراقبة موظفيه ورعايتهم ، ويعمل على تأمين وسائل الحياة للمصريين بحفر الترع وإقامة الجسور لتيسير فلاحة الأرض وزراعتها ، كما كان عليه حماية المدن من غائلة الفيضان ، وتشجيع الصناع والفنانين ، فضلا عن القيام بواجبه نحو الآلهة . 
● وقد كان للملك وضع خاص بين رعاياه ، ربما يبعده عن وضع الطبقات التى كان يتكون منها المجتمع المصرى ، فقد كان القوم يعتقدون أنه إله وليس بشرا ، ورغم ذلك فهناك نصوص ، وإن كانت نادرة ، إلا أنها تكشف فى ومضات قصيرة عما تنطوى عليه نفس هذا الإله من مشاعر نبيلة ولمسات إنسانية بين رعاياه ، فهناك نبؤة « نفرتى » والتى تتحدث عن الملك « سنفرو » على أنه كان ملكا محسنا ، وأنه حين يخاطب أحد رجال رعيته يقول له يا صاحبى ، وحين يوجه حديثه إلى رجال بلاطه يخاطبهم بقوله يا إخوانى . 

● ولقد كانت الطبقة الحاكمة ترتبط بالملك بروابط كثيرة ، ففى النصف الأول من الدولة القديمة كان الأمراء يعينون فى مناصب الوزارة ، وأكثرهم من أبناء الملك أو من ذوى قرباه ، كما حدثت مصاهرات بين أفراد البيت المالك وبين أفراد الشعب ، كما حدث فى زواج « بتاح شبس » من ابنة الملك « شبسكاف » ، وزواج الملك « ببى الأول » من ابنة أمير أبيدوس . وكان هؤلاء الحكام ومن حولهم حاشيتهم من كبار الموظفين يعيشون عيشة ترف ورفاهية ، فيسكنون الدور الفخمة ، ويقتنون الضياع الواسعة ، ويقيمون الولائم المترفة . 

●وقد كان لكبار الكهنة مركزا ممتازا لدى الشعب ، وهيبة كبيرة ، وكانوا يبرعون كثيرا فى اخضاع سلطان الدين للكثير من التأويل و التعقيد ، ويحتفظون بأسرار تعاليمهم الدينية ، ويزعمون القدرة على استخدام السحر ، كما كانوا متبحرين فى العلم و المعرفة ، كما بلغوا جانبا كبيرا من الثراء ، و بخاصة كهانة آمون التى تضخمت ثرواتها ، وبمرور الزمن تكونت فى مصر ملكية خاصة بالإله آمون منفصلة عن أملاك الملك . واستغل كهانة ذلك كله فى توطيد سلطانهم ومضاعفة ثرواتهم ، حتى بلغوا من ذلك ما لم يبلغه أمثالهم فى العالم المعروف وقت ذاك . 

■ الطبقة الوسطى ■
- لم يكن هناك نظام طبقات صريح يظل فيه النبلاء و الصناع و الفلاحون مرتبطين بطبقة معينة جيلا بعد جيل ، فكان المجتمع ينظم على أساس استمرار الأشياء الموروثة ، فيستمر ابن الفلاح ليكون فلاحا ، و نتوقع منه أن ينجب ابناء يعملون فلاحين ، و الأمر كذلك فى طبقة النبلاء ، و لكن المصريين كانوا عمليين متسامحين ، و من ثم فلم يجبروا شخصا أن يظل أبد الدهر فى طبقته التى توراثها إذا واتته الفرصة أو الضرورة للتغيير . و هناك أمثلة انتقل فيها بعض المواطنين من أشخاص عاديين إلى طبقة كبار الموظفين فى الدولة ، فهناك مثلا « ونى » الذى يفهم من نصه المشهور الذى تركه لنا على لوحة بمقبرته فى أبيدوس ، أنه قد نشأ نشأة متواضعة ، ثم استطاع أن يرتفع إلى أحد المراكز المرموقة فى البلاد . 

● وبحلول عصر الدولة الوسطى ظهرت طبقة وسطى فى المجتمع المصرى قوامها صغار الموظفين والتجار وصغار ملاك الأراضى الزراعية و أصحاب الحرف الممتازة من الفنانين و الصناع . وقد كان من المرجو أن تكون حياة الصناع و الفنانين ميسرة ، جزاءا لما أنتجوا من فن رائع ، ولكن ليس هناك من دليل على أنهم كانوا من أهل اليسار ، و إن لم يحيوا حياة صعبة ، كبقية الطبقة العاملة ، وقد وضعهم برستد J. H. Breasted الذى قسم المجتمع إلى أمراء وعبيد بين هاتين الطبقتين ، ودعاهم بالطبقة الوسطى التى احتكرت الصناعات والفنون الجميلة وبرعت فيها كثيرا ، وقد كانت هذه الطبقة بمثابة حلقة اتصال بين الحكام والمحكومين ، فهى أصلا من المحكومين ، ولكنها تحتك كثيرا بالحاكمين بسبب طبيعة عملها ، فهى تحس بآلام المحكومين وما يلاقونه من شظف العيش وعنت الحياة ، وترى بأعينها ما ينعم به الثراة من القوم من متع الحياة وزخرفها . 

● وقد دأب أهل الطبقة الوسطى على إرسال أولادهم فى سن مبكرة إلى المدارس التابعة لمصالح الحكومة ، وغيرها من مدارس إعداد الموظفين لتأهيل أنفسهم لمهنة الكاتب ، و الحياة التى تقتضيها ظروف وظيفته ، و كان صغار الموظفين و الكتبة الذين يعملون فى الحكومة المركزية أو الادارات المحلية من أسعد أفراد الطبقة الوسطى حالا ، فهم أهل المعرفة والخبرة ، وأصحاب العلم والثقافة ، ولدينا طائفة من التعاليم التى كان يوجهها الآباء إلى البناء ، يوضحون لهم فيها أن مهنة الكاتب مهنة راقية تفوق كل المهن الأخرى ، ومنها وصية « خيتى بن دواوف » إلى ولده « ببى » . 

■ الطبقة الدنيا ■
- و تشمل التجار و العمال و الفلاحين و أصحاب الحرف الصغيرة كالنجار و الحلاق و البستانى و صانع السهام و طواف البريد و الدباغ و الاسكافى و غيرهم ، أما طبقة التجار ، فالمقصود بهم هنا أولئك الذين كانوا يعملون فى التجارة الداخلية ، و التى كانت محدودة إلى حد كبير ، و لذا فالنصوص لا تتحدث عن عن التجار مما يدل على أن التجارة الداخلية فى مصر القديمة إبان تلك الفترة لم تكن ذات أهمية .

● أما طبقة العمال فهم الذين كانوا يعملون فى المناجم و المحاجر و غيرها ، وفى بناء الأهرامات والمقابر والمعابد ، وكانت الدولة هى التى تحتكر استغلال المناجم والمحاجر ، و هى التى تشرف على العمال بطريقة تضمن العنية بهم و السهر على مصلحتهم ، فكانت تجند طوائف من العمال المختصين تحت إشراف رؤساء للعمال و مفتشين ، و تعمل على نقلهم تحت حماية جندها إلى مقر أعمالهم فى الصحراوات المصرية . غير أنه رغم هذا الجهد العظيم ، فإن طبقة العمال لم تعش حياة تتفق و المجد الذى حققته للمدنية المصرية ، إلا أنه ربما كان النظام الدقيق الذى أتبع مع العمال قد أعطاهم بعض حقهم ، و ضمن لهم مأكلا و ملبسا ، و يبدو أنهم كانوا أحسن حالا من الفلاحين . و هناك ما يشير إلى أن أحوال طبقة العمال قد تحسنت كثيرا فى عصر الدولة الحديثة ، فقد كان عمال الجبانة الملكية فى غربى طيبة ( دير المدينة ) يتكونون من مجموعات خاصة من الرجال الذين عاشوا ، و كذا أسلافهم من قبل ، لعدة أجيال مضت فى نفس القرية بجبانة طيبة يعملون فى نحت و زخرفة مقابر الملوك ، و قد كان يعتبر عملهم هذا فى غاية الأهمية . و لم يكن هؤلاء العمال مسخرين فى العمل فى المقابر الملكية ، بل كانوا يعملون لقاء أجر ، و يمنحون المكافآت فى المناسبات الرسمية ، كما كان البعض منهم يتخلف لأسباب مختلفة ، و قد كان ملوك الدولة الحديثة يفخرون بمعماملتهم بسخاء . و لعل من الأهمية أن نشير إلى أن الوثائق لم تحدثنا عن شكايات من التعيينات أو تأخر الرواتب قبل عهد « رمسيس الثالث » ، و ربما كان ذلك بسبب الأزمة الاقتصادية التى كانت تعانيها البلاد ، و ربما بسبب عدم أمانة الموظفين ، و ربما بسبب تلك المنازعات السياسية التى بدأت تظهر فى أخريات أيام « رمسيس الثالث » . 

● أما طبقة الفلاحين التى أريد لها أن توضع فى القاع من هرم المجتمع المصرى القديم ، فقد كانوا يؤلفون الغالبية العظمى من الشعب المصرى ، و قد كانوا فريقين الأول يملكون أرضهم ، و الآخر أجير عند الملك ، ثم عند النبيل او حاكم الإقليم ، حيث شارك هؤلاء سيدهم الغنيمة ، أما الفريق الأول فهم يملكون أرضهم ، و لم يكونوا خاضعين إلا لأداء الضريبة المقررة عليهم من قبل الدولة ، أما الفريق الثانى و هو الأكثر عددا فقد كانوا مرتبطين بالأرض لا ينفكون عنها ، بحيث إذا انتقلت ملكيتها انتقلت معها تبعيتهم من المالك القديم إلى المالك الجديد ، و لكنه انتقال للذمة و ليس انتقال للملكية ، ذلك لأن المصريين كانوا جميعا أحرارا ، و لم يمتد الرق أو الاستعباد فى جميع عصور مصر القديمة إلى أى طائفة من المصريين ، و انما كان ذلك من نصيب الأسرى وحدهم . 

● أما بقية أفراد الطبقة الدنيا الذين ورد ذكرهم فى كتب المؤرخين اليونان ، فهم رعاة الأغنام و رعاة الخنازير و الصيادون و الملاحون ، و لم يكن أحد منهم يمتلك أرضا زراعية . و قد كان أفراد الطبقة الدنيا يمثلون الكثرة الساحقة من سكان البلاد ، و يعيش معظمهم فى القرى المتناثرة على طول الوادى و بين ذراعى النهر فى شمال الوادى ، يمارسون حرفهم التقليدية من زراعة و صناعة و رعى و صيد و ملاحة ، و كانوا من أرق الطبقات حالا ، يسكنون مساكن بسيطة لا تعدو الحجرة أو الحجرتين ، و ليس بها من الأثاث ما يجاوز الحصير و بعض المقاعد الخشبية و الصناديق و آنية الفخار ، كما كان طعامهم لا يعدو الخبز و الخضر ، و كانت ملابسهم غاية فى البساطة . و لم يكن للفلاحين من الحرية ما لغيرهم من الطبقات الأخرى ، و إنما كانوا يعملون فى مواسم الزرع ، حتى إذا ما جاء الفيضان و ملأت المياه الأحواض و توقفت أعمال الزراعة ، حشدت الحكومة جيوشا من هؤلاء الفلاحين للعمل فى المحاجر و المناجم و أعمال البناء و جميع المشروعات الحيوية و العمرانية العامة ، أو أعمال الرى . 
بقلم / د.محمد رأفت عباس

إشتـرك يصــلك كل جديــد:
*ستصلك رساله على ايميلك فيها رابط التفعيل برجاء الضغط عليه حتى يكتمل اشتراكك*

تابعونا على الفيس بوك

قائمة متابعي الموقع

تعريب وتعديل: بلوجر بالعربي

Crown of Egypt "تاج مصر للتراث الفرعوني"