قائمة الروابط
محافل مميزه
الارشيف
لمتابعة جديد الموقع
أوزيريس اله البعث والحساب ورئيس محكمة الموتى


لاشك مطلقا أن شخصیة أوزيريس قد نمت وتطورت على مدى القرون والأجیال . وقد،
استتبع ذلك اكتسابھا تركیبا وتعقیدا فائقا؛ ولكنھا، بالرغم من ذلك تتسم بالمنطق والعقلانیة فى
تطورھا ھذا. بل ھى تبدو،
خاصة قريبة من وجدان ومشاعر الشعوب التى تدين بعقیدة سلام
وأمان أسسھا إنسان – إله، مر بمرحلة من الآلام والمعاناة من دون البشر أجمعین. وقد أستھلت
بداية أوزيريس فى مدينة أبوزيريس، حیث خلف الإله – الراعى "عنجتى "، واكتسب منه كل
سجاياه وصفاته الخیرة. وربما نستطیع أن نلمح من خلال أوزيريس شخصیة تاريخیة بكل معنى
الكلمة: فقد يكون، ھو الذى قام، فى فترة غیاھب الزمن وظلماته، أى "ما قبل التاريخ "، بالتوحید
ما بین قبائل وعشائر الدلتا، أو بالأحرى مصر قاطبة. ونستطیع أن نطلع على أقدم سرد لمفاخره
ومناقبه فى كتاب "متون الأھرام". وبه، نجده قد أدمج بتاسوع ھلیوبولیس؛ وصور أيضا كإبن لكل
من جب ونوت، مع إخوته : إيزيس، وست، ونفتیس . وتقول "متون الأھرام " ھذه : أن "ست "،
!
بمساعدة "تحوت"، من أجل اغتصاب العرش، قام باغتیال أخیه أوزيريس؛ وكان ھذا الأخیر قد خلف
أبیه جب فى الحكم. وھبت كل من إيزيس ونفتیس الأختان، وھما فى شدة اللوعة والأسى
للبحث عن جثته. وعندما عثرتا علیھا، تجمع الآلھة وعملوا على بعث الحیاة فى أوصالھا من
جديد. والجدير بالذكر، أن بعض عناصر ھذه الأسطورة قد ظھرت فى فترة أكثر تأخرا؛ وكمثال على
ذلك: عملیة التحنیط التى أجراھا أنوبیس والتى سُردت تفاصیلھا بأحد "نصوص التوابیت " (الدولة
الوسطى). عموما، لم تدعى "متون الأھرام" أنھا قدمت ھذه الأسطورة بكامل حذافیرھا؛ بل لقد
ألمحت إلى حد ما، لبعض جوانبھا. وعلى ما يعتقد أن الكثیر من العناصر التى لم تذكرھا سوى
الأسطورة التى سردھا "بلوتارخ " (فى دراسته عن إيزيس وأوزيريس )، ترجع أصلا إلى حقبة
موغلة فى القدم. وفى بحثه ھذا يقول ھذا العالم: أن جب ونوت قد أنجبا أربعة أبناء ثم واحد آخر
ھو "حرور أى حورس البكرى). وقد ولد ھؤلاء الأطفال الخمسة، على التوالى خلال أيام النسئ .
وبعد عدة سنوات، تولى أوزيريس العرش بعد أبیه "جب "، ومارس سلطته وسیادته بمساعدة
أخته وزوجته إيزيس. وعلم البشر أصول الزراعة وفنونھا، بالإضافة إلى ممارسة العقیدة الدينیة .
ولكن ھا ھى مشاعر الغیرة والحقد تجتاح قلب "ست" على أخیه وحكمه المفعم خیرا ونعما،
فدبر مؤامرة مع إثنین وسبعین من أعوانه؛ وتمكنوا، خلال إحدى المآدب الكبرى، من سجنه بداخل
تابوت ضخم؛ وألقوا به فى نھر النیل. وھنا، انطلقت إيزيس ملتاعة حزينة بحثا عن ھذا التابوت
العائم. وكانت أمواج النھر قد دفعته نحو شواطئ "جبیل" الفینیقیة؛ وھناك، نمت وترعرعت أغصان
إحدى أشجار الخلنجیات فوق الصندوق المتضمن لجثمان أوزيريس . وكان ملك "جبیل " قد أمر
بنحت ھذه الشجرة البديعة لتحويلھا إلى عمود رائع. وعند وصول إيزيس إلى "جبیل "، استطاعت
أن تقنع الملك بمنحھا العمود والتابوت، وانطلقت بھما إلى مستنقعات "خمیس"، على مقربة من
"بوتو" فى الدلتا؛ وھناك، وبعد عدة أشھر وضعت ولیدھا حورس . وأحیط "ست " علما بتفاصیل
مغامرة إيزيس ھذه. فانتھز فرصة غیابھا لبعض الوقت، واستولى على الصندوق، وقام بتقطیع
أوصال جسد أوزيريس إلى أربعة عشر قطعة؛ ووزعھا على كافة أنحاء مصر . وسارعت إيزيس
بالبحث عن أشلاء زوجھا؛ وعند عثورھا علیھا، دفنتھا، بنفس موقعھا . وفى عین ذاك المكان،
شیدت فیما بعد المعابد الأوزيرية؛ بل لقد ادعت الكثیر من المدن المصرية بعد ذلك، بأنھا تملك
مقبرة ھذا الإله. ومكث أوزيريس فى عالم الموتى، بل وأصبح ملكا علیه . وھناك إحدى الروايات
الأخرى التى تقول: أن تحوت، وأنوبیس، وإيزيس ونفتیس، قاموا جمیعا بجمع كافة أشلاء ھذا
الإله، وكونوا بھا جسدا خالدا إلى الأبد بفضل عملیة التحنیط.
ھا ھى إذن الأسطورة بكافة حذافیرھا: أوزيريس ھو ملك متوفى ومؤله: فھا ھو مضمون
النسب الإلھى للملك، يبدو قديما قدم المؤسسة الملكیة نفسھا. ولكن، لعلنا نلاحظ ھنا عامل
حیوى وھام للغاية: لقد تمیز ھذا الملك خاصة بطیبته وصلاحه، وأيضا بموته بأسلوب و حشى
عنیف؛ ولاشك أن كلتا الظاھرتین تتعارضان بوضوح عن بعضھما بعض . ولا ريب أن واقعة اغتیاله
بوجه خاص ھى بمثابة نقطة الإنطلاق لأسطورته ومصیره.
ونلاحظ أن عالم الآثار "جاردنر"، قد أومأ إلى العلاقة ما بین أوزيريس والملكیة المصرية .
وبالفعل، نرى أن ھذا الإله، قد مثل دائما بصفته ملكا على كافة أنحاء مصر، بالرغم من أنه يتوج
بتاج الجنوب الأبیض فقط (وربما يبدو ھذا كأمر متعارض، ولكن، قد يكون الھدف من وراء ذلك ھو
توضیح: أن الملك السائد على "الشمال "، ھو أيضا المھیمن على "الجنوب "). إنه يمثل دائما
كمثل الفرعون المتوفى الذى أصبح أوزيريس؛ فى حین أن خلیفته يجسد "حورس"، ابن أوزيريس.
وفیما يتعلق بأعیاد أوزيريس، فكانت يحتفل بھا فى أواخر وقت الفیضان؛ وقلما ما تتسم بالسمات
الزراعیة. فقد كان الإھتمام يركز خاصة على الاحتفال بمناسبة بعث الإله المتوفى من خلال إبنه .
ولاشك أن ھذا العید بوجه خاص، يعمل على تجدد أحداث أسطورة أوزيريس وإبنه حورس.
وعن الخصائص العقائدية الأخرى فى عبادة أوزيريس، فقد شُبعت بنفس ھذه الأسطورة .
فنرى: أن أوزيريس يرتبط ارتباطا وثیقا بمیاه النیل، حیث أضفى علیھا جسده القوة الخصبة
الخلاقة. ومن خلال بعض روايات الأسطورة : يتبین أن أوزيريس، بدلاً من وضعه بداخل صندوق
ضخم أُلقى به فى خضم میاه النھر، قد تم إغراقه مباشرة فى النیل . ثم يقال أيضا : أن "ست "
عندما قطع أشلاءه، ورماھا، لم يتم العثور، بعد ذلك على عضو ذكورته؛ لأنه سقط فى میاه النھر،
وابتلعته سمكة "القنوم"؛ وھى تتطابق بالإله "ست" فى إطار المقاطعة المعروفة بإسم "القنوم".
وباعتبار أوزيريس إله الخصوبة والنماء؛ فإنه بالتالى رب الزراعة والمحاصیل؛ وھو مثلھا يموت وقت
!
الفیضان، لیصحو وينتعش فى الربیع، بعد قضاء فترة ما تحت سطح التربة، وكأنه بذور حب . ولقد
لاحظ المصريون القدماء ھذه ا لظاھرة بوجه خاص : ولذلك، فخلال أعیاد أوزيريس، التى كانوا
يحیونھا قبل موسم بذر الحبوب، كانوا يصنعون، من طمى النیل، تمثالا لھذا الإله ويضعون بداخله
كمیة من الحبوب: وبعد بضعة أيام ينبت الحب، وتنبثق فروعه عالیا لتغطى ھذا التمثال بالنبات
والنماء والإخضرار. وقد عثر، بداخل بعض المقابر، على عدد من ھذه الأوزيريات النابتة الیانعة.
وخلاف ذلك، فقد جعل الفكر الثیولوجى بھلیوبولیس من أوزيريس إلھا كونیا . وربما يكمن
مبرر ھذا المفھوم فى أعماق ھذه النظرية: استھلالا من فترة "ما قبل التاريخ"، حیث كان الملك
المتوفى يماثل باوزي ريس. وكانت الضرورة تحتم إدماج ھذا المضمون فى إطار عقیدة المصیر
الشمسى الذى يلقاه الملك بعد موته: ففى ھذا الحال، ينطلق الفرعون المتوفى لیلتقى بالإله
"رع" فى السموات العلیا باعتباره أوزيريس؛ وبالتالى، تخلع على ھذا الأخیر السمات السماوية
الخاصة بالملك المتوفى. وفى أواخر "الدولة القديمة"، تطابق أوزيريس أيضا "بالإله الأعظم " (رب
السموات)، مثلما كان حورس من قبله. ويبدو ھذا المضمون، على صلة أيضا، بمفھوم أوزيريس،
إله الموتى. فإن الملك المتوفى، يحتفظ بسیادته ونفوذه فى إطار "العالم السفلى "؛ أى صورة
مكررة للعالم الدنیو ى وكأنه أوزيريس بعد موته، وقد أصبح ملكا أيضا (التعاكس المتقاطر
الإتجاھات). وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن الشمس تضئ عالم الأحیاء، أما القمر فیضفى نوره على
الموتى؛ ولذا، فقد تطابق أوزيريس بالقمر (إعح). وربما أن ھذا المفھوم الذى يقول أن الملك وھو
مستمر على قید الحیاة بالعالم الآخر ويبسط نفوذه وسلطته علیه، ھو الذى جعل من أوزيريس،
فى نھاية الأمر إلھا على الموتى. ومن ھذا المنطلق، استطاع أوزيريس ان يستوعب فى كیانه
الآلھة الجنازية الراعیة للجبانات المصرية، وبصفة خاصة "خنتامنتیو": "رب أھل الغرب"، فى
أبیدوس، المجاورة ل"ثیس" وقد أصبحت، فیما بعد، مھدا للأسرات الثینیة . ولقد استطاعت ھذه
السمة السفلیة أن تسود وتنتشر خاصة بداية من "الدولة الوسطى ". ففى ذاك الحین، تمكن
المبدأ الأوزيرى المعتمد أساسا على الخلاص والنجاة (تمتع كل إنسان، بدون استثناء بخلود روحه
وأبديتھا) من الانتصار على العقیدة الشمسیة الملكیة التى كانت سائدة فى "الدولة القديمة".
ــــــــــــــــ
الموسوعة الشاملة للحضارة الفرعونية
تأليف : جي راشيه
ترجمة : فاطمة عبد الله محمود
مراجعة وتقديم : د . محمود ماهر طه
