قائمة الروابط
محافل مميزه
الارشيف
لمتابعة جديد الموقع
"حرخوف" أحد المستكشفین الرواد فى العصور القديمة


"حرخوف" أحد المستكشفین الرواد فى العصور القديمة
إن أفضل مصادر الإعلام عن الأسرة السادسة وأواخر الدولة القديمة فى النوبة، ھى، بكل تأكید الكتابات المتضمنة بجبانة الأمراء فى منطقة "قبة الھواء"، أمام مدينة أسوان. لقد قام بإملاءھا أعلى موظفى الفرعون قدراً ومنزلة؛ ومن أكثرھم أھمیة "حرخوف" ضمن الكثیرين غیره. وكان يحمل رتبة: "قائد الفرق الأجنبیة". وقام بعدة رحلات إلى مناطق الجنوب، بأمر من الملك "مرنرع ". وعلى
مدى ثلاث مھمات، أو ربما أربع، نتبعه، فى عدة مناطق بالنوبة، على جانبى النیل؛ وربما أكثر تعمقا. بعد ذلك، تقدم نحو الجنوب إلى بلاد "إيام": حیث كانت حضارة "كرما "؛ ثم مملكة "كوش ".
وقد يلاحظ أيضا أن أحد الطرق التى سلكھا "حرخوف" ھى "درب الأربعین" الشھیرة (سكة الأربعین يوم). وھى تؤدى، من مصر، إلى "دارفور".. بلا ريب إذن أن السرد الذى قدمه "حرخوف"، ھو بمثابة وصف من جانب أحد الرحالة المستكشفین، الذى يتمیز بالشجاعة والفطنة والتمرس . إن ھذا النص، يعتبر، بلا أدنى شك، من أكثر النصوص قدما وعراقة فى العالم أجمع . وھو يعطینا لمحة . مباشرة عن العلاقات القائمة وقتئذ، بین الملك "مرنرع" والأمراء النوبیین يذكر لنا "حرخوف" بخصوص رحلته الأولى:
"إن جلالة الملك مرنرع، سیدى، بعثنى مع والدى، الصديق الأوحد، الكاھن – المرتل إيرى إلى بلاد إيام للتعرف على طريق ھذه المنطقة، حیث جُبت أنحاءھا فى سبعة أشھر، وأحضرت منھا ." كافة المنتجات البديعة النادرة، وقد كوفئت بمكافأة سخیة وھا ھو "حرخوف"، باعتباره "قائد أعلى أوحد للحملات "، ينطلق فى رحلته ا لثانیة، حیث اتخذ الطريق الموازى للوادى. "جلالته أرسلنى مرة ثانیة بمفردى. وتقدمت صاعدا من خلال طريق إلفنتین. وھبطت إلى بلاد "إرثت" (وتعرف باسم مخر، وتررس، وإرثتى)، فى خلال ثمانیة أشھر . ونزلت، وأحضرت معى منتجات مستمدة من ھذه المنطقة بكمیات ھائلة، والتى لم يحضر أبدا مثیلا لھا من ھذا البلد قبلا .
ولكننى ھبطت حتى وصلت إلى بیت حاكم "ساثو"، و"إرثت"، بعد وصولى إلى نفس ھذه البلاد ." الأجنبیة. ولم ألاحظ أبدا أن أى صديق قد جابھھا باعتباره ئد الأجانب وصعد إلى إيام من قبلى للمرة الأولى، ھاھو سرد لأحد المبعوثین يقدم معلومات جغرافیة عن خط السیر الذى اتخذته قافلته . لقد سار فى "طريق إلفنتین". إنھا بلا ريب "طريق العاج"؛ وھى تمر بواحات "كوركور"، و"دنقول"، وتتقدم قدما بالمنطقة المترامیة الأطراف المعروفة باسم "إرثت ": التى تقع على ضفة النیل الغربیة. وھذه الأخیرة تضم، بجنوب – شرق "دنقول " مدينة "إرثت "، وتنتھى عند أعالى وادى حلفا" (بوھن)، فى منطقة مخر . وعن ھذه الأخیرة، فھى تستوعب عند منتصفھا، بشمال "توشكى" الموقع المسمى تررس. ونحاط علما أيضا: أن مدينة "ساثو"، جنوب – شرق مخر قد إتحدت مع مدينة "إرثت".
وأخیرا، عند نھاية رحلته، خارجا من "إرثت"؛ وصل "حرخوف" إلى مدينة إيام. وعلى ما يبدو، أن الاستكشافات، فى تلك الحقبة، كانت تتم على ضفة النیل الیسرى . كما أن أملاك "إرثت " لم تكن تمتد إلى الضفة الیمنى.
وللمرة الثالثة، بعث الملك بطلنا "حرخوف" ھذا إلى "الجنوب العظیم". قطعا إن سرده فى : ھذا الصدد يستحق ذكره كاملا "جلالته بعثنى أيضاً، للمرة الثالثة إلى إيام . وعن طريق "الواحة " خرجت من المقاطعة الثینیة، وتقابلت مع حاكم إيام وھو سائر نحو بلاد التمحو لكى يدحرھم عند الركن الغربى من السماء (الغرب). وصعدت وراءه نحو بلاد التمحو ، وھزمته حتى إبتھل لكافة الآلھة من أجل الملك "مرنرع". وبعثت برسالة مع أحد الیامیت التابع "لخادم حورس": لكى يعلم جلالة "مرن رع"، ملیكى: بأننى صعدت نحو بلاد التمحو خلف حاكم إيام؛ وھبطت إلى إماو التى تقع جنوب "إرثت " وبأعماق "ساثو"؛ ووجدت حكام كل من إرثت، واثو، وواوات معا جمیعا متحالفین. ولكننى نزلت ومعى ثلاثمائة حمار محملة بالبخور، والأبنوس، وزيت الحكنو، وحبوب سات، وجلود الفھود، وأنیاب الفیلة، وأخشاب من أجل صنع الرماح؛ وكافة الأشیاء البديعة القیمة، لأن كل من حاكم إرثت وساثو، وواوات رأوا القوة المضاعفة لجیوش إيام التى كانت تھبط معى إلى المقر، بالإضافة إلى الحملة التى أُرسلت معى.
عندئذ، قام ھذا الحاكم بمصاحبتى لحراستى . وأعطانى الكثیر من الثیران، وقادنى فى طرقات جبال إرثت. فإننى قد سھرت وحرست وراقبت أكثر من أى صديق، قائد للأجانب بُعث إلى إيام من قبل. وعندما وصل ھذا الخادم إلى المقر، تم استدعاء الأمیر، الصديق الأوحد، رئیس القاعة النضرة الیانعة خونى، لمقابلتى، فوق السفن المحملة بنبیذ التمر، والخبز، والخبز - المشبع بالجعة.
[توقیع ]: الأمیر، رئیس خزائن الملك، الصديق الأوحد، الكاھن – المرتل، رئیس خزائن الإله، المفوض بأسرار المحاكمة، الإماخو حرخوف.
ھكذا عرفنا إذن، أن "حرخوف" قد اتخذ طريقا جديدا، ألا وھو المؤدى إلى "الواحة " الكبرى؛ ونقطة انطلاقھا تقع بالإقلیم الثینى، على مقربة من "أبیدوس". ويمتد، فى اتجاه أكثر عمقا، غرباً، نحو واحة الخارجة: فیعبرھا، ويھبط ثانیا نحو "الشلال الثانى"، عند ملتقى كل من مخر وإيام . وقد علمنا أيضا: أن "حرخوف" عندما علم بتحرك حاكم إيام على رأس جیشه نحو اللیبیین التمحو؛ تقدم لمجابھته. وأرغمه على تقديم كل التبجیل والإجلال لملك مصر: الذى، كان يغنم فائدة، سواء من تحالفه مع إيام، أو من تواطئ أھالى التمحو الذين يمدونه بالجند اللازمین.
عند عودة "حرخوف" من بلاد إيام، محملا بشحنة المنتجات النادرة التى استطاع الحصول علیھا بأسلوب المقايضة؛ والتى كانت، تحضر قبلا، بواسطة، القوافل، من بلاد "بونت " .. وصل، فى نھاية الأمر إلى إماو . ولاشك أن المعلومات الدقیقة التى قدم ھا، تسمح لنا بتحديد موقع تلك المنطقة ما بین "عنیبة" و "الدر "، على ضفتى النھر . أما عن "واوات"، التى ذكرت فى النھاية؛ وكانت متحالفة مع "إرثت" و"ساتحو"، فإنھا لم تكن قد احتلت بعد كافة أنحاء النوبة . ولكن، كانت أراضیھا تحدد عند المنطقة المتاخمة لضفة النیل الشرقیة .. ما بین الشلالین الأول والثانى.
ھاھى إذن مرحلة جديدة، تتراءى فى إطار العلاقات ما بین مصر والنوبة؛ من خلال السرد الذى قدمه "حرخوف". ولقد لاحظنا، بدون شك، الاختراق الذى ربما بدا على شئ من العنف والشراسة!!.. ولكن، لم يمنع ذلك، من قیام التبادلات التجارية فیما بینھما، وكذلك الحال بالنسبة لاستغلال المصادر المحلیة: وھكذا كان مرور المنتجات من الجنوب إلى الشرق يتم فى أجواء شبه سلمیة. وكذلك، الحال فیما يتعلق بتجنید المرتزقة..
بعد مدة، سادت بین البلدين فترة من الخمول والفتور. وفى أثرھا، استطاع حكام المناطق الرئیسیة الفعالة المستقلة، أن يفرضوا سطوتھم ونفوذھم على كافة أنحاء النوبة . بل كونوا، فیما بینھم عدة تحالفات تھدف إلى مجابھة مرور القوافل المصرية .. طمعا فى حمولاتھا !!.. وھنا، جاء الدور الذى تلعبه سیاسة التحالفات. حیث استعان حاكم "إيام" بكل ما يتمتع به من قوة وسطوة، لكى يفرض على المتحالفین الداخلین ضرورة السماح بمرور الموكب الھائل المدى الذى يقوده "حرخوف" .. وتلقى، مقابل ذلك، تعبیرا عن التقدير والشكر .. "مكافأة" سخیة!!
ومن خلال النصوص التى سردھا المكتشفون الآخرون، يتبین أن الوضع كان يزداد تفاقما مع مرور الوقت ترى، ھل قام "حرخوف" ببعثة رابعة؟!.. مازال ھناك، حتى الآن، بعض الشك بخصوص ھذا الأمر. عموما، نلاحظ أن قصته المسھبة، شأنه كشأن جمیع الأمراء المستكشفین البواسل، الذين دُفنوا فى "قبة الھواء"، قد نقشت على جانبى باب دخول مقصورته : بواجھتھا على يسار الباب، يمكننا أن نرى نص الاستھلال الخاص بالبعثات الثلاث. أما فى الناحیة الیمنى لھذا الباب، فنجد نصا واحدا، بدون أى تقديم!!.. وھنا يحق لنا أن نتساءل عما إذا كان بمثابة تكملة للقصة السابقة؛ أم أنه يتعلق ببعثة رابعة وأخیرة قام بھا "حرخوف "؟!!.. إننى، من ناحیتى، أمیل ناحی ة ھذه النظرية الأخیرة. والسبب: إنه من خلال قائمة النفائس النادرة التى جلبت قبل ذلك، لم يشار إلا لمنتجات ثمینة وحیوانات. وكذلك، لأن التاريخ المذكور (العام الثانى)، قد يتعلق بالبعثة الرابعة والأخیرة فى أوائل حكم الملك – الطفل "بیبى الثانى" .. بعد وفاة "مرنر ع": التى وقعت، على ما يبدو، خلال الرحلة الثالثة إلى بلاد "إيام" .. ھاھنا إذن، ھذا النص المثیر للعجب