جدارية من مقبرة رمسيس الأول تصور العالم الآخر |
نحن شعب متدين بالفطرة :
الحياة الأبدية والعالم الآخر في مصر القديمة :
طالما شُغل فِكر المصري القديم بالحياة بعد الموت، وتصور العالم الآخر بكونه موطن الحياة الأبدية التي يأمل في أن تتحقق له، واعتبار العالم الآخر داراً للثواب والعقاب. وقد ظهر ذلك بوضوح وتمييز انفرد به المصري القديم عن غيره من الشعوب القديمة.
وقد كان تصوير العالم الآخر بمثابة بوابة مثالية لإخراج وترجمة الإبداع الفكري والخيالي للمصري القديم في إظهار كافة جوانب هذا العالم الغامض بأدق التفاصيل؛ بداية بتخيله لمكان هذا العالم، وكيفية الوصول إليه، والوسائل التي تساعد المتوفى على اجتياز المخاطر الكثيرة التي تعوقه أثناء رحلته للوصول لمملكة “أوزير” وتحقيق الأبدية والحياة الخالدة.
وقد بدأت الإشارة للعالم الآخر منذ عصر الدولة القديمة في "نصوص الأهرام" بالإشارة للعالم "السماوي الأخروي"، ثم في "نصوص التوابيت" من عصر الدولة الوسطى. وقد اكتملت الصورة في عصر الدولة الحديثة من خلال العديد من الكتب الدينية التي انتشرت منذ الدولة الحديثة وحتى العصر البطلمي
وبدايةً يجب أن نلاحظ أن المصري القديم قد تصور الكون مكوناً من مناطق ثلاثة، هي: السماء والأرض والسماء السفلية (العالم السفلي)، وذلك لأنه تصور السماء (pt) تقبو فوق الأرض (tA)، وأن لها نظيرًا يقع أسفل الأرض يعرف بالسماء السفلى (nnt)، والتي تمثل أحد أسماء تلك المملكة التي تقع أسفل الأرض (مملكة الموتى)، والتي عرفت باسم (dAt)، أو (dwAt).
وبينما يقع عالم البشر الأحياء بين حدود هذا الكون، فهو محدد بالأرض من أسفل وبالسماء من أعلى، وتتم بداخله دورة الحياة اليومية، والتي ترتبط بشروق وغروب الشمس.
ويوجد خلف هذا الكون المياه الأزلية "نون" (nnw)، وهي المحيط المائي المظلم والخامل والممتد إلى ما لا نهاية . وقد مثل هذا العالم - الواقع خارج حدود رؤية البشر وخبرتهم - دوراً هاماً وكبيراً في عقائد المصريين، وارتبط بفكرة البعث والولادة وتجديد الحياة لكل ما يوجد في العالم المخلوق.
وطبقاً لما تصوره المصري القديم وصادقت عليه معتقداته، فإن المجالات الثلاثة للكون هي: مجال السماء، والتي تعتبر مقراً للآلهة، والأرض (مقر البشر)، والعالم السفلي (مقر الموتى)، هي مجالات منفصلة عن بعضها البعض بواسطة حدود يمكن اجتيازها، ولكن في حالات محددة، وبأساليب تبدو نسبياً معروفة للموتى أو ربما أيضاً للنيام وذلك عبر الأحلام التي يستطيع من خلالها النائم أن يجوب هذا العالم، ويختلط بما فيه من آلهة وموتى.
العالم الآخر في مخيلة المصري القديم
امتاز تخيل المصري القديم لشكل وطبيعة العالم الآخر بالتباين والغموض الشديد، والذى استند على خياله الواسع في تصور كل ما يحب وما يبغض من أحداث قد تحدث للمتوفى. فكان لاعتقاد المصري في وجود حياة أخروية أبدية، ووجود ثواب وعقاب على ما قدمه في حياته الدنيوية، الأثر الواضح في حرصه على تصوير هذه الحياة الأبدية، والإسهاب في وصف المصير الخالد للمبرئين، وتنعمهم في حقول مملكة "أوزير" مع الآلهة والأرواح الطيبة، والتحذير من مدى سوء العاقبة للمذنبين الذين ينتظرهم مصير غامض مجهول من العذاب والجحيم.
بل إن الأمر بلغ الحد لتصوير كيفية تغلبه على هذه المخاوف والصعوبات أثناء رحلته في العالم الآخر، والتي بدت من خلال الوصف أنها رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر، تتطلب الاستعداد والتحصين له بالأعمال الطيبة في الحياة، وحفظ العديد التعاويذ والأسرار لهذا العالم وأماكنه، حتى يستطيع المتوفى أن يعبر في أمان وسلامة، وصولاً لمملكة "أوزير".
وقد اختلفت هذه النظرة من فترة زمنية لأخرى، حيث يتضح من خلال نصوص الأهرام غلبة النظرة التفاؤلية على النظرة التشاؤمية، وإن وجد الاثنان معاً في هذه النصوص، وإن اقتصرت هذه النظرة في حديثه غالباً عن الملوك ورحلتهم، سواء في صحبة إله الشمس، أو في صحبة الأرباب . في حين تجاهلت الإشارة لمصير الأفراد خلال الدولة القديمة.
وقد استمرت النظرتان بوضوح أكثر خلال عصر الدولة الوسطى، وفي تصوير هذا العالم بالحقول الغنية بالثمار وبحيرات الشراب المختلفة؛ بجانب النظرة التشاؤمية. وقد ظهر ذلك من خلال النصوص الأدبية والدينية التي زاد فيها التعبير عن مصير الموتى (الأفراد) بشكل كبير، ربما لتضاؤل مكانة الملكية، خاصة بعد الأحداث السياسية لعصر الانتقال الأول، والتي كان لها أبلغ الأثر في تغير نظرة المصري للملكية، وانتقال العديد من المزايا التي كان يتمتع بها الملوك إلى الأفراد.
وقد اكتمل تبلور الصورة في ذهن المصري القديم خلال عصر الدولة الحديثة، وليس أدل على ذلك من كثرة الكتب الدينية التي تتحدث عن هذا العالم بالنصوص والمناظر؛ والتي تعطي وصفاً تفصيلياً لرحلة المتوفى بدايةً من الموت كمرحلة انتقالية، وكل ما يمر به من عواقب ومخاطر، وكيفية التغلب عليها، وصولاً لإعطاء تفاصيل دقيقية لما هو داخل العالم الآخر ومملكة "أوزير" من مناطق، وما يحدث بداخلها.
وقد أظهرت هذه الكتب وفي مقدمتها "كتاب الموتى"، و"كتاب البوابات"، و"كتاب الكهوف" وكتاب "الإمي دوات" النظرتين التفاؤلية والتشاؤمية حول مصير الموتى. بل وأفسحت مجالاً للحوار بين المتوفى والآلهة وحراس بوابات هذا العالم. وقد استمرت هذه الكتب الدينية بما يتضمنه كل منها من نظرات خلال العصور المتأخرة والعصر البطلمي.
وعلاوة على ذلك ظهرت نظرة تشكيك جديدة خلال العصر المتأخر، حيث لم تعد الرغبة في خلود المتوفى في العالم الآخر هي الهدف أو الطريق الوحيد، إذ يمكن للمرء أن يخلد نفسه بواسطة أعماله على الأرض، والتي تخلد اسمه بالطبع. فيذكر أحد نصوص العصر البطلمي: إن "تجديد الحياة أمام الذي يموت
تاركاً اسمه (السمعة الطيبة) على الأرض من بعده"
الحياة الأبدية والعالم الآخر في مصر القديمة :
طالما شُغل فِكر المصري القديم بالحياة بعد الموت، وتصور العالم الآخر بكونه موطن الحياة الأبدية التي يأمل في أن تتحقق له، واعتبار العالم الآخر داراً للثواب والعقاب. وقد ظهر ذلك بوضوح وتمييز انفرد به المصري القديم عن غيره من الشعوب القديمة.
وقد كان تصوير العالم الآخر بمثابة بوابة مثالية لإخراج وترجمة الإبداع الفكري والخيالي للمصري القديم في إظهار كافة جوانب هذا العالم الغامض بأدق التفاصيل؛ بداية بتخيله لمكان هذا العالم، وكيفية الوصول إليه، والوسائل التي تساعد المتوفى على اجتياز المخاطر الكثيرة التي تعوقه أثناء رحلته للوصول لمملكة “أوزير” وتحقيق الأبدية والحياة الخالدة.
وقد بدأت الإشارة للعالم الآخر منذ عصر الدولة القديمة في "نصوص الأهرام" بالإشارة للعالم "السماوي الأخروي"، ثم في "نصوص التوابيت" من عصر الدولة الوسطى. وقد اكتملت الصورة في عصر الدولة الحديثة من خلال العديد من الكتب الدينية التي انتشرت منذ الدولة الحديثة وحتى العصر البطلمي
وبدايةً يجب أن نلاحظ أن المصري القديم قد تصور الكون مكوناً من مناطق ثلاثة، هي: السماء والأرض والسماء السفلية (العالم السفلي)، وذلك لأنه تصور السماء (pt) تقبو فوق الأرض (tA)، وأن لها نظيرًا يقع أسفل الأرض يعرف بالسماء السفلى (nnt)، والتي تمثل أحد أسماء تلك المملكة التي تقع أسفل الأرض (مملكة الموتى)، والتي عرفت باسم (dAt)، أو (dwAt).
وبينما يقع عالم البشر الأحياء بين حدود هذا الكون، فهو محدد بالأرض من أسفل وبالسماء من أعلى، وتتم بداخله دورة الحياة اليومية، والتي ترتبط بشروق وغروب الشمس.
ويوجد خلف هذا الكون المياه الأزلية "نون" (nnw)، وهي المحيط المائي المظلم والخامل والممتد إلى ما لا نهاية . وقد مثل هذا العالم - الواقع خارج حدود رؤية البشر وخبرتهم - دوراً هاماً وكبيراً في عقائد المصريين، وارتبط بفكرة البعث والولادة وتجديد الحياة لكل ما يوجد في العالم المخلوق.
وطبقاً لما تصوره المصري القديم وصادقت عليه معتقداته، فإن المجالات الثلاثة للكون هي: مجال السماء، والتي تعتبر مقراً للآلهة، والأرض (مقر البشر)، والعالم السفلي (مقر الموتى)، هي مجالات منفصلة عن بعضها البعض بواسطة حدود يمكن اجتيازها، ولكن في حالات محددة، وبأساليب تبدو نسبياً معروفة للموتى أو ربما أيضاً للنيام وذلك عبر الأحلام التي يستطيع من خلالها النائم أن يجوب هذا العالم، ويختلط بما فيه من آلهة وموتى.
العالم الآخر في مخيلة المصري القديم
امتاز تخيل المصري القديم لشكل وطبيعة العالم الآخر بالتباين والغموض الشديد، والذى استند على خياله الواسع في تصور كل ما يحب وما يبغض من أحداث قد تحدث للمتوفى. فكان لاعتقاد المصري في وجود حياة أخروية أبدية، ووجود ثواب وعقاب على ما قدمه في حياته الدنيوية، الأثر الواضح في حرصه على تصوير هذه الحياة الأبدية، والإسهاب في وصف المصير الخالد للمبرئين، وتنعمهم في حقول مملكة "أوزير" مع الآلهة والأرواح الطيبة، والتحذير من مدى سوء العاقبة للمذنبين الذين ينتظرهم مصير غامض مجهول من العذاب والجحيم.
بل إن الأمر بلغ الحد لتصوير كيفية تغلبه على هذه المخاوف والصعوبات أثناء رحلته في العالم الآخر، والتي بدت من خلال الوصف أنها رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر، تتطلب الاستعداد والتحصين له بالأعمال الطيبة في الحياة، وحفظ العديد التعاويذ والأسرار لهذا العالم وأماكنه، حتى يستطيع المتوفى أن يعبر في أمان وسلامة، وصولاً لمملكة "أوزير".
وقد اختلفت هذه النظرة من فترة زمنية لأخرى، حيث يتضح من خلال نصوص الأهرام غلبة النظرة التفاؤلية على النظرة التشاؤمية، وإن وجد الاثنان معاً في هذه النصوص، وإن اقتصرت هذه النظرة في حديثه غالباً عن الملوك ورحلتهم، سواء في صحبة إله الشمس، أو في صحبة الأرباب . في حين تجاهلت الإشارة لمصير الأفراد خلال الدولة القديمة.
وقد استمرت النظرتان بوضوح أكثر خلال عصر الدولة الوسطى، وفي تصوير هذا العالم بالحقول الغنية بالثمار وبحيرات الشراب المختلفة؛ بجانب النظرة التشاؤمية. وقد ظهر ذلك من خلال النصوص الأدبية والدينية التي زاد فيها التعبير عن مصير الموتى (الأفراد) بشكل كبير، ربما لتضاؤل مكانة الملكية، خاصة بعد الأحداث السياسية لعصر الانتقال الأول، والتي كان لها أبلغ الأثر في تغير نظرة المصري للملكية، وانتقال العديد من المزايا التي كان يتمتع بها الملوك إلى الأفراد.
وقد اكتمل تبلور الصورة في ذهن المصري القديم خلال عصر الدولة الحديثة، وليس أدل على ذلك من كثرة الكتب الدينية التي تتحدث عن هذا العالم بالنصوص والمناظر؛ والتي تعطي وصفاً تفصيلياً لرحلة المتوفى بدايةً من الموت كمرحلة انتقالية، وكل ما يمر به من عواقب ومخاطر، وكيفية التغلب عليها، وصولاً لإعطاء تفاصيل دقيقية لما هو داخل العالم الآخر ومملكة "أوزير" من مناطق، وما يحدث بداخلها.
وقد أظهرت هذه الكتب وفي مقدمتها "كتاب الموتى"، و"كتاب البوابات"، و"كتاب الكهوف" وكتاب "الإمي دوات" النظرتين التفاؤلية والتشاؤمية حول مصير الموتى. بل وأفسحت مجالاً للحوار بين المتوفى والآلهة وحراس بوابات هذا العالم. وقد استمرت هذه الكتب الدينية بما يتضمنه كل منها من نظرات خلال العصور المتأخرة والعصر البطلمي.
وعلاوة على ذلك ظهرت نظرة تشكيك جديدة خلال العصر المتأخر، حيث لم تعد الرغبة في خلود المتوفى في العالم الآخر هي الهدف أو الطريق الوحيد، إذ يمكن للمرء أن يخلد نفسه بواسطة أعماله على الأرض، والتي تخلد اسمه بالطبع. فيذكر أحد نصوص العصر البطلمي: إن "تجديد الحياة أمام الذي يموت
تاركاً اسمه (السمعة الطيبة) على الأرض من بعده"
ـــــــــ
اثار مصر