المكتبة

محافل مميزه

الارشيف

لمتابعة جديد الموقع

البريد الإلكتروني " الإيميل "

اللاهوت و الناسوت فى سيرة حتشبسوت (د. يوسف زيدان)

اللاهوت و الناسوت فى سيرة حتشبسوت (د. يوسف زيدان)
حتشبسوت
اللاهوت و الناسوت فى سيرة حتشبسوت (د. يوسف زيدان) :-
جلستُ فى حَضْرةِ الربةِ الجدَّةِ الملكةِ، مشدوهاً، أتأمَّلُ وحدتها بين الأشجار الفواحة بالعطور، وصدرها العارى المكشوف بلا سفور، وبريق عينيها اللامعتين ببريق البهجة وعميق الأحزان.. سكنتُ أمامها والتزمت الصَّمْت الواجب لتوقير السَّمْت، إلى أن سألتنى برفق الأمهات عما أريد، فسألتها عما أرى حولى من جمالٍ ممزوج بالجلال.
قالت: هذا نتاجُ امتزاج اللاهوت
بالناسوت، فهل فهمت الإشارة أم تبغى الصريح من العبارة؟ قلتُ: أفيضى بما تكتمين، فقد أتى بى إليكِ سؤالُ طفلٍ من أسباطك يُريد الإجابة بالتفصيل، ولن يقنع من العلم الوفير بالقليل. فقالت بعدما تبسَّمت بشفتىِ امرأةٍ لها بهاءُ الإلهات:
أما هذه الأشجار التى ترى، فقد جلبتُها من الأرض البعيدة التى يسكنها السودان من الناس والأحباش والزنج، لأننى رأيتُ فى حرب الذكور خسارة، فأخذت قومى إلى طرق الرفاه والتجارة، وأرسلتُ القوافل إلى بلاد «بُنت» وسائر الأنحاء، فعاش الناسُ سعداء وكفُّوا عن المريع من الاقتتال، وساد السلام عشرين عاماً أو يزيد.
وأما كشفى لصدرى فهذا ديدنُ الأمهات، المرضعات، من قبل ظهور الجاهلين وإسرافهم فى تسمية الأعضاء عَوْرات، تعميةً عما فى نفوس المرضى من العَوْرات والآفات، وفاتهم التداوى من أدوائهم العضال فرفعوا على الأمومة رايات القتال وتباهوا بكل سَفَّاحٍ قتَّال، واستمعوا لديدان الأرض السارية فى بادية اليهود، فأضلَّهم ما كانوا يتوهَّمون،
وفرضوا على خيارهم رهبانيةً ابتدعوها، وخرَّبوا معبدى بقدر ما استطاعوا، وسكنوه بعدما سموه الدير البحرى فى المائة السابعة بعد ظهور البشارات التى بها يؤمنون، وباسمها تناحروا وذبحوا بعضهم بعضاً ثم جاءوا لدارى الأُخروية يطلبون الأمان، ومن يومها سُمِّى المعبدُ ديراً، وسُميت الديانةُ إدانةً، والربةُ عبدةً أو أَمَةً.
وأما الناسوت واللاهوت، فقد مزجتُ بينهما بعدما كانا فىَّ ينفصلان. فمن حيث ناسوتى، آلَ إلىَّ الملك الذى تراه الآن مزدهراً بعموم البلاد، فورثته عن أسرتى التى ملكت الزمام فى الزمن الذى صرتم فى زمانكم الأخير تسمونه «الدولة الوسطى» تحاشياً لاسم «الملكة الوسطى». ومن قبل أسرتى، تسيَّدتْ ستُّ عشرة أسرةً من سلالة الناسوت، كانت قبلها أسرٌ مبكرةٌ حاكمة، فيها ملكاتٌ مبجلاَّتٌ وملوكٌ عظامٌ كالملك «وناس» الذى غفل عن وقته القديم الناس، فأراحوا أذهانهم من ذلك الأمد السحيق، بأن سموه «زمن ما قبل الأسرات» فى قول،
وفى قول آخر «ما قبل التاريخ» ولم يعرفوا أنهم على القولين مخطئون، فليس وراء التاريخ إلا تاريخ، ولا يقدح فى ذلك فقدان الآثار وتهدُّم المعمار.. فلما جاءت للحكم أسرتى السابعة عشرة، كانت للنساء مكانةٌ مستمدةٌ من تقديس الربات، وعلى ذلك نشأت والدتى «أحموسا» وأنشأتنى.
غير أن رجالنا كانوا يحاربون، فيفقدون الحسَّ المقدَّس رويداً، ورويداً يتخفَّفون من تبجيل الإناث، فيختلط عقلهم ويلتاث. كان جدى تحتمس الأول على العهد القديم مقيماً، فعاش فى ماعت ثم آوى إلى الظل فى سلامٍ، انتظاراً لميقات الخروج إلى النهار. أما أبى فقد انهار من قلبه الجدار، فاستولد من غير أمى وجاء بولدٍ من إحدى المحظيات. فلما توارى اختلف الناسُ، هل يحافظون على الملكية فى أنثى صريحة النسب، أم يملِّكون الذكر الذى جاء عارياً من أى حَسَب. فأفتى الأجلاء من كهنة آمون،
بأن يكون الأمر الملكى دولةً بيننا بأن أتزوج أخى الوضيع على أمل أن يرشد ولا يضيع. فكان كما قالوا، غير أن زوجى المتملِّك بنصف الناسوت كان قلبه خالياً من اللاهوت، فما كدتُ ألد له طفلة على هيئة الربَّات حتى حام حول المحظيات كأبيه، والولد صِنو أبيه، فاستولد من إحداهنَّ ولداً نازعنى فى العرش، وطمس آثارى بعدما بسطتُ على الأرض السلام.
وأما اللاهوت، فقد سعيتُ فى ابتداء حكمى إلى سقفه الأعلى، بعدما رأيتُ الذكور الذين يحاربون تحت راية الربة «سخمت» التى هى بالوجه الآخر «حتحور» كانوا إذا عادوا من الحرب يجعلون لأنفسهم رمزاً من تاسوع طيبة، هو «حور» المسمى حورس، لأنه حسبما فهموه إلهٌ مذكَّر يناسب الذكور، ولم يعرفوا سرَّ الألوهية المؤنثة الكامنة خلف ميلاده من غير نكاح، من أمِّ النور الأزلى الأبدى «إسِّت» المسماة التباساً إيزيس.. فعلوتُ فوق تاسوع طيبة، كله،
وألحقتُ ناسوتى باللاهوت الأعلى المحتجب خلف السماوات العُلى، وجعلت لقبى الجامع بين الناسوت واللاهوت: الحاضنة لنور آمون.. وبذلك أقمتُ بُنيانى، واحتملتُ آلامى، وعلوتُ إلى عنان آمون المنطوق أحياناً «آمن» وأحياناً «إمن» وأحياناً «آمين».
وأما هذا المعبد البديع الذى تراه الآن فى قمة تألُّقه، فهو هدية المهندس «سنموت»، الذى يسمى نفسه المحبَّ لماعت. وهو توأمُ روحى والحبيب الذى هوَّن علىَّ الأهوال، ثم بنى لى هذا الأثر الخالد كى أُدفن فيه بعد حين، وجعل بين مدفنى ومدفنه سرداباً حتى نهتدى لبعضنا يوم الخروج إلى النهار.. يوم البعث. يوم نولد من جديد، كهُدْهُدَين.
--------------------------
-------------------------------------------------
مقتطف من مقال دكتور يوسف زيدان ..... الحكمة المؤنثه (5 – 7) ........ اللاهوت و الناسوت فى سيرة حتشبسوت

إشتـرك يصــلك كل جديــد:
*ستصلك رساله على ايميلك فيها رابط التفعيل برجاء الضغط عليه حتى يكتمل اشتراكك*

تابعونا على الفيس بوك

قائمة متابعي الموقع

تعريب وتعديل: بلوجر بالعربي

Crown of Egypt "تاج مصر للتراث الفرعوني"