"مين" (Min) بذرة الحياه الجديدة :-
"مين" (Min) هو أحد رموز الحضارة المصرية القديمة التى غالبا ما يساء فهمها , و يتم اختصاره الى مجرد رمز سطحى "للقوة الجنسية" أو "الخصوبة" .
يقول عالم النفس السويسرى "كارل يونج" أن الرموز الجنسية عند الحضارات القديمة كان يقصد بها مدلولات روحانية و ليس جنسية , و أن الباحث فى تلك الرموز عليه أن يرى بعين البصيرة المعنى الباطن و ليس الظاهر لتلك الرموز .
و "مين" هو رمز أصيل و قديم جدا فى الحضارة المصرية يعود الى عصر ما قبل الأسرات , و قد ظهر "مين" على لوحة العمره (Al Amrah Palette) , و التى تعرف أيضا باسم لوحة "مين" و كان رمزه فى ذلك الوقت هو السهم ذو الرأس المزدوج .
ارتبط "مين" بمجموعة نجوم أوريون (Orion) التى احتلت أهمية كبرى فى مصر القديمة و كانت تعتبر بوابة للعالم النجمى (الدوات) , و هو بذلك يشترك مع أوزير فى أنهما ينتميان الى عالم الدوات / الباطن .
لعب كل من "أوزير" و "مين" دورا رئيسيا فى دورة ( الميلاد / الحياه / الموت / البعث ) تلك الدورة التى تتجلى بشكل خاص فى الزراعة
و فى حياة الانسان على السواء , و هى دورة تقوم على ايقاع القمر
و ليس ايقاع الشمس . ايقاع الشمس هو ايقاع الأبدية و الخلود و هو ايقاع رع .
اما ايقاع القمر فهو ايقاع "الحياه/الموت" و هو الايقاع الذى كان يعمل من خلاله كل من أوزير و "مين" , و قد أطلق قدماء المصريين على "مين" لقب "حارس القمر" و كان آخر أيام الشهر القمرى هو اليوم المقدس
ل "مين" , كما كان الشهر الخامس من شهور السنه المصرية (طوبه)
هو شهره المقدس .
و المتأمل للحياه الزراعية فى مصر القديمة يجد فيها تفسيرا لكيفية عمل كل من أوزير و "مين" و كيف أن أحدهما يكمل عمل الآخر . فقد كان أوزير هو القوة الكونية التى تعمل على اخراج الحياه الكامنه فى البذور , و كان عمل أوزير يتطلب دفن البذور فى التربه و غمرها بالمياه , و كان ذلك يعتبر فى مصر القديمة بمثابة اعادة لقصة موت أوزير الميثولوجية و التى ذاق فيها أوزير الموت و دفن ثم عاد الى الحياه مرة أخرى .
كان أوزير يعمل أثاء دفن البذور فى التربة , و كان الاحتفال بطقوس اقامة عامود الجد (أى قيام أوزير من عالم الموت) يقام فى بداية موسم الزراعة و بعد البدأ فى دفن البذور فى الأرض . فأوزير هو الذى يأتى بالكائنات الحية من عالم الروح لكى تتجسد فى العالم المادى .
أما "مين" فقد ارتبط بموسم الحصاد , أى النضج . فهو القوة الكونية التى تؤدى الى نضج الكائنات الحية بعد أن يأتى بها أوزير الى العالم المادى .
و هذا النضج يتطلب أن يحمل كل عود نبات فى طور نموه " بذرة حياه جديدة" , تلك البذرة هى التى تضمن اعادة تكرار الدورة من جديد
( الميلاد / الحياه / الموت / البعث) .
كان "مين" هو الذى يقوم بوضع بذرة الحياه الجديدة فى الكائن الحى عند نضجه سواء كان نبات أو انسان .
و فى الدولة الحديثة مزج المصرى القديم بين كل من "مين"
و "آمين/آمون" فظهر ما يعرف ب "آمون – مين" (Amun-Min) , و هو قوة كونية عبر عنها الفنان المصرى بالثور الذى أطلق عليه "كا – موتف" (Kamutef) و الذى كان يطلق عليه أيضا "ثور أمه" , و الأم هنا هى السماء , و الثور هو الذى يقوم بزرع بذرة الحياه الجديدة (seeding) ,
أى ان ثور السماء هو الذى يقوم بعملية الاخصاب الكونى , الذى يضمن استمرار الحياه .
و الطريقة التى صور بها الفنان المصرى "مين" تعكس ارتباطه بكل من "أوزير" و "آمين/آمون" فهو يظهر فى شكل مومياء مسجونه داخل لفائف الكتان , مثله فى ذلك مثل أوزير الذى يظهر دائما محنطا , لأنه مرتبط بالدوات (العالم النجمى/ البرزخ) الذى تذهب اليه الأرواح بعد الموت ,
و منه أيضا تاتى لكى تتجسد فى هذا العالم .
و يحمل "مين" فوق رأسه تاج الريشه المزدوجة , و هو نفس التاج الذى يميز "آمين/آمون" و هو الرمز الذى يعبر عن الخفاء/الاحتجاب , لأن "مين" هو قوة كونية باطنه تظل خفية عن عالم الحواس الظاهرة . كما نلاحظ أيضا أن الذراع اليمنى ل "مين" غير موجوده , لأن اليد اليمنى هى رمز الفص الأيسر للمخ و هو الفص المسئول عن الوعى بالعالم المادى .
مين لا يعمل من خلال الماده , و لا يمكن الاتصال به من خلال الوعى المادى , و ان كان ما يقوم به من عمل يؤثر على العالم المادى . يعمل "مين" على مستوى الطاقة و ليس على مستوى الماده .
كان "مين" عند قدماء المصريين هو أيضا رب الصحراء الشرقية و القوافل التى تسير فى الصحراء , و كان مقدسا عند عمال مناجم وادى حمامات بالصحراء الشرقية و الذين أطلقوا عليه لقب (مين العظيم , رجل الجبل) . و كان زوجا ل ا"يابيت" (Iabet) ربة الأفق الشرقى .
و يظهر "مين" فى الفن المصرى فى العديد من المشاهد حيث يقدم له الكهنة و ملوك مصر القرابين , و كان الخس على رأس القرابين التى تقدم لهذا الكائن الالهى , فنجد فوق موائد القرابين التى تقدم ل "مين" العديد من حزم الخس , لما عرف عن هذا النبات من تحفيزه للقدرة الجنسية , تلك القدرة التى رأى فيها المصرى القديم رمزا للنضج , ليس فقط النضج المادى و لكن أيضا النضج الروحى .
فكما تنضج النباتات فى موسم الحصاد و تحمل بداخلها بذرة حياه جديدة قبل أن تموت , كذلك الانسان ينضج فيحمل بداخله القدرة على خلق حياه جديدة , و بذلك يصبح جزءا فعالا فى منظومة الخلق .
"مين" (Min) بذرة الحياه الجديدة |
"مين" (Min) هو أحد رموز الحضارة المصرية القديمة التى غالبا ما يساء فهمها , و يتم اختصاره الى مجرد رمز سطحى "للقوة الجنسية" أو "الخصوبة" .
يقول عالم النفس السويسرى "كارل يونج" أن الرموز الجنسية عند الحضارات القديمة كان يقصد بها مدلولات روحانية و ليس جنسية , و أن الباحث فى تلك الرموز عليه أن يرى بعين البصيرة المعنى الباطن و ليس الظاهر لتلك الرموز .
و "مين" هو رمز أصيل و قديم جدا فى الحضارة المصرية يعود الى عصر ما قبل الأسرات , و قد ظهر "مين" على لوحة العمره (Al Amrah Palette) , و التى تعرف أيضا باسم لوحة "مين" و كان رمزه فى ذلك الوقت هو السهم ذو الرأس المزدوج .
ارتبط "مين" بمجموعة نجوم أوريون (Orion) التى احتلت أهمية كبرى فى مصر القديمة و كانت تعتبر بوابة للعالم النجمى (الدوات) , و هو بذلك يشترك مع أوزير فى أنهما ينتميان الى عالم الدوات / الباطن .
لعب كل من "أوزير" و "مين" دورا رئيسيا فى دورة ( الميلاد / الحياه / الموت / البعث ) تلك الدورة التى تتجلى بشكل خاص فى الزراعة
و فى حياة الانسان على السواء , و هى دورة تقوم على ايقاع القمر
و ليس ايقاع الشمس . ايقاع الشمس هو ايقاع الأبدية و الخلود و هو ايقاع رع .
اما ايقاع القمر فهو ايقاع "الحياه/الموت" و هو الايقاع الذى كان يعمل من خلاله كل من أوزير و "مين" , و قد أطلق قدماء المصريين على "مين" لقب "حارس القمر" و كان آخر أيام الشهر القمرى هو اليوم المقدس
ل "مين" , كما كان الشهر الخامس من شهور السنه المصرية (طوبه)
هو شهره المقدس .
و المتأمل للحياه الزراعية فى مصر القديمة يجد فيها تفسيرا لكيفية عمل كل من أوزير و "مين" و كيف أن أحدهما يكمل عمل الآخر . فقد كان أوزير هو القوة الكونية التى تعمل على اخراج الحياه الكامنه فى البذور , و كان عمل أوزير يتطلب دفن البذور فى التربه و غمرها بالمياه , و كان ذلك يعتبر فى مصر القديمة بمثابة اعادة لقصة موت أوزير الميثولوجية و التى ذاق فيها أوزير الموت و دفن ثم عاد الى الحياه مرة أخرى .
كان أوزير يعمل أثاء دفن البذور فى التربة , و كان الاحتفال بطقوس اقامة عامود الجد (أى قيام أوزير من عالم الموت) يقام فى بداية موسم الزراعة و بعد البدأ فى دفن البذور فى الأرض . فأوزير هو الذى يأتى بالكائنات الحية من عالم الروح لكى تتجسد فى العالم المادى .
أما "مين" فقد ارتبط بموسم الحصاد , أى النضج . فهو القوة الكونية التى تؤدى الى نضج الكائنات الحية بعد أن يأتى بها أوزير الى العالم المادى .
و هذا النضج يتطلب أن يحمل كل عود نبات فى طور نموه " بذرة حياه جديدة" , تلك البذرة هى التى تضمن اعادة تكرار الدورة من جديد
( الميلاد / الحياه / الموت / البعث) .
كان "مين" هو الذى يقوم بوضع بذرة الحياه الجديدة فى الكائن الحى عند نضجه سواء كان نبات أو انسان .
و فى الدولة الحديثة مزج المصرى القديم بين كل من "مين"
و "آمين/آمون" فظهر ما يعرف ب "آمون – مين" (Amun-Min) , و هو قوة كونية عبر عنها الفنان المصرى بالثور الذى أطلق عليه "كا – موتف" (Kamutef) و الذى كان يطلق عليه أيضا "ثور أمه" , و الأم هنا هى السماء , و الثور هو الذى يقوم بزرع بذرة الحياه الجديدة (seeding) ,
أى ان ثور السماء هو الذى يقوم بعملية الاخصاب الكونى , الذى يضمن استمرار الحياه .
و الطريقة التى صور بها الفنان المصرى "مين" تعكس ارتباطه بكل من "أوزير" و "آمين/آمون" فهو يظهر فى شكل مومياء مسجونه داخل لفائف الكتان , مثله فى ذلك مثل أوزير الذى يظهر دائما محنطا , لأنه مرتبط بالدوات (العالم النجمى/ البرزخ) الذى تذهب اليه الأرواح بعد الموت ,
و منه أيضا تاتى لكى تتجسد فى هذا العالم .
و يحمل "مين" فوق رأسه تاج الريشه المزدوجة , و هو نفس التاج الذى يميز "آمين/آمون" و هو الرمز الذى يعبر عن الخفاء/الاحتجاب , لأن "مين" هو قوة كونية باطنه تظل خفية عن عالم الحواس الظاهرة . كما نلاحظ أيضا أن الذراع اليمنى ل "مين" غير موجوده , لأن اليد اليمنى هى رمز الفص الأيسر للمخ و هو الفص المسئول عن الوعى بالعالم المادى .
مين لا يعمل من خلال الماده , و لا يمكن الاتصال به من خلال الوعى المادى , و ان كان ما يقوم به من عمل يؤثر على العالم المادى . يعمل "مين" على مستوى الطاقة و ليس على مستوى الماده .
كان "مين" عند قدماء المصريين هو أيضا رب الصحراء الشرقية و القوافل التى تسير فى الصحراء , و كان مقدسا عند عمال مناجم وادى حمامات بالصحراء الشرقية و الذين أطلقوا عليه لقب (مين العظيم , رجل الجبل) . و كان زوجا ل ا"يابيت" (Iabet) ربة الأفق الشرقى .
و يظهر "مين" فى الفن المصرى فى العديد من المشاهد حيث يقدم له الكهنة و ملوك مصر القرابين , و كان الخس على رأس القرابين التى تقدم لهذا الكائن الالهى , فنجد فوق موائد القرابين التى تقدم ل "مين" العديد من حزم الخس , لما عرف عن هذا النبات من تحفيزه للقدرة الجنسية , تلك القدرة التى رأى فيها المصرى القديم رمزا للنضج , ليس فقط النضج المادى و لكن أيضا النضج الروحى .
فكما تنضج النباتات فى موسم الحصاد و تحمل بداخلها بذرة حياه جديدة قبل أن تموت , كذلك الانسان ينضج فيحمل بداخله القدرة على خلق حياه جديدة , و بذلك يصبح جزءا فعالا فى منظومة الخلق .