الطبيعة المعلم الأول للانسان

الطبيعة المعلم الأول للانسان :-
الطبيعة المعلم الأول للانسان
الطبيعة المعلم الأول للانسان 

أحد أجمل مشاهد مقبرة الأميرة "ايدوت" , ابنة الملك أوناس (أسرة خامسه , دولة قديمة , حوالى 2350 ق.م.) .
تصور الجدارية أنثى فرس النهر و هى تلد , بينما يقف خلفها تمساح متربصا بفرس النهر الوليد , بانتظار خروجه الى الحياه لكى يفترسه .
و هذا المشهد من أروع ابداعات الفن المصرى , و هو يخلص فلسفة المصرى القديم فى العلاقة بين الحياه و الموت .
كانت أنثى فرس النهر فى مصر القديمة هى رمز الحياة أو الميلاد من جديد , فى حين كان التمساح هو رمز الموت .
و تصوير التمساح و هو يتربص بأنثى فرس النهر أثناء ولادتها , هو رمز
عميق لفكرة الموت الذى يتربص بالانسان منذ لحظة ميلاده .
و مهما طال عمر الانسان , لن يفلت أبدا من مخالب التمساح الذى يتربص به منذ اللحظة التى أتى فيها الى الحياة .
و نلاحظ أن الفنان صور التمساح واقفا خلف أنثى فرس النهر , بحيث لا تراه , تماما كالموت الذى يخفى نفسه دائما عنا و لا نرى وجهه الا لحظة قيامه بوظيفته فى نقلنا من هذا العالم الى العالم الآخر .
نجح الفنان المصرى فى التعبير عن معانى فلسفية عميقة فى هذا المشهد الذى يأسر القلوب , و الذى يعتبر دليلا قويا على قدرة لغة التصوير على التعبير عن أعمق المعانى الفلسفية بطريقة بديعة قد تعجز الكلمات أحيانا أن تعير عنها .
و ما نراه أمامنا هو أيضا دليل على أن الطبيعة هى أعظم فيلسوف فى الوجود و هى المعلم الأول للمصرى القديم الذى كان يتأمل كل ما حوله بعمق .
و من تأمل الطبيعة اكتشف المصرى القديم أن كل شئ حوله يتحدث لغة
الهية/كونية , و أن كل ما يحدث على الأرض هو تجسيد لقوانين كونية .
و من تأمل سلوك الحيوانات و الصراع بينها , استشف المصرى القديم
وجود حكمة عميقة .
لم تعرف مصر القديمة محاورات الفلاسفة الذين يجلسون فى غرف مغلقة يحاورون التلاميد و يلقنونهم "الحكمة" كما كان يفعل فلاسفىة اليونان و انما عرفت مصر "فلسفة الطبيعة" , فكان المصرى القديم يتأمل حركة الطبيعة حوله و يتعلم منها كيف يفهم القوانين التى تحكم الكون .
و لذلك كانت الحيوانات مقدسة عند المصرى القديم , لأنه رأى فيها كائنات تعلمه الحكمة و الفلسفة من خلال تصرفاتها و سلوكها فى الطبيعة .
الكون كله كتاب مقدس كتب بلغة الهية لا يمكن قراءتها الا من خلال الحدس .
ان فاقد البصيرة لا يرى فى الحيوانات سوى بهائم لا تعقل و يسير فى الأرض مختالا بعقله , و قد أعماه غروره عن رؤية الحكمة و الفلسفة التى يقدمها له الحيوان , ذلك الكائن المقدس الذى أرسله لنا الاله ليعلمنا .
أما الحكيم فهو الذى يعرف كيف يفهم لغة الحيوان من خلال سلوكه فى الطبيعة و يتأمل ما فيها من رسائل الهية و قوانين كونية .
و نجد نفس المعنى الذى تعبر عنه هذه الجدارية الرائعة موجودا فى التراث الشعبى المصرى فى المثل الذى يقول : -
*** اللى ما يموت ............. منين يفوت ؟ ***