قائمة الروابط
محافل مميزه
الارشيف
لمتابعة جديد الموقع
الرسم في مصر الفرعونية القديمة
الرسم في مصر الفرعونية القديمة
كان الفنانون المصريون يبدعون رسومھم بالألوان المائیة؛ بواسطة : ريشة، أو فرشاة؛ بالإضافة لوعاء صغیر خاص بالمیاه؛ وكذلك شقفة لتحضیر الألوان . ويتبین أن الألوان الأساسیة كان يتم الحصول علیھا كالآتى : الأسود، من تراب الفحم؛ والأبیض من الجیر، والعاجى بخلط الأصفر مع الأحمر، أما الأزرق فمن اللازورد؛ والأخضر من مسحوق الملاخیت . ويعمل مزج بعض ھذه الألوان ببعضھا بعضا على توافر مجموعة ثرية للغاية من التدرجات. وبھا، يتم تلوين التماثیل، والنقوش البارزة، والأعمدة، وبعض أجزاء معمار المعابد، والرموز الھیروغلیفیة المنقوشة فوق جدران النصب والمنشآت الدينیة؛ بالإضافة إلى حوائط القصور والمساكن. وحقیقة أن الرسم كان يعد بمثابة عامل مساعد فى مجال كل من المعمار والنحت .
ولكنه، مع ذلك، أعتبر أيضا كفن فى حد ذاته . لقد عرف الفنانون، بداية من "عصر ما قبل الأسرات "، كیف يمثلون الطبیعة بواسطة الرسم المفعم بالألوان المتعددة . ولكن، لا ريب أن المقابر بجدرانھا المكسوة كلیة بمشاھد بالرسوم الملونة، ھى التى بینت لنا المستوى الرفیع والمقدرة الفائقة التى بلغھا الفنانون المصريون فى ھذا المجال الفنى .. وكذلك فى كافة دروب الفن الأخرى.
ومع ذلك، علینا، قبل تأمل وتفحص فن الرسم المصرى، أن نتحرر تماما من المعايیر والمقايیس، التى فرضت علینا، بداية من فترة الكلاسیكیة الیونانیة عند دراسة فناً آخرا لا ينتمى مطلقا إلى تلك المفاھیم. فلا ريب مطلقا أن الرسم المصرى يتمتع بمقايیسه ومعايیره الخاصة به: تحددت تماما بداية من فجر "الدولة القديمة". وكانت تسوسھا وتھیمن علیھا اعتبارات ومفاھیم دينیة، واجتماعیة، وجمالیة. وربما أن الفرق ما بین شكل مشوه لشخص ما من منظور معین، وبین الواقع الفعلى، لا يسمح بأن يوضح، من خلال الرسم، ھذا التشوه الذى سببه المنظور .. أو بالأحرى: بُعد المسافة.
وعسى ألا ننسى أن الفن المصرى يرتكز على سمات عقائدية دينیة. بل ونعرف أيضا أن ھؤلاء الشخوص الذين يملأون جنبات المقابر، لیسوا أدوات زينة وتجمیل مجانیة . بل ھم يمثلون كائنات وأفراد، سوف تدب فیھم، سحريا، نبضات الحیاة .. لكى يقوموا بخدمة "الكا " الخاصة بالمتوفى وتلبیة مطالبھا!.. وكذلك نجد أن، ھناك "إتفاقیة " ضمنیة ذات ملامح اجتماعیة تنص على: أن الإنسان الرفیع القدر والمنزلة، يستدعى الأمر تمثیله فارع القامة ممشوق القوام . ولاشك أن مثل ھذا المفھوم لا يتفق أيضا أو يتوائم مع الواقعیة البصرية التى يتصف بھا .. فن الرسم المنظورى.
وغالبا، يبدع الفنانون المصريون شكل الأشخاص من خلال "البروفیل " (صورة جانبیة ) .. وعند استدارتھم يمینا، فمن اللازم أن يتقدموا بذراعھم الأيسر وقدمھم الیسرى. وعلى ما يبدو، أن الدواعى الجمالیة فى ھذه "القواعد" الفنیة تكمن فى : إنه إذا تم عكس ذلك، فإن خطوط الجسم سوف تتقاطع، وتنال من جمال ورشاقة وتناغم الرسم.
وھكذا، تبرر كافة القواعد التى التزم بھا الفنانون المصريون، من خلال كافة المشاھد الفنیة الرسمیة التى يبدعونھا. ويتراءى، أن البروتوكول الملكى ھو الذى يسوس الفن ويھیمن علیه. وبالتالى، فإن الإبداعات الفنیة، تكرس خاصة لتعظیم الآلھة وتبجیلھم، وإجلال الملك وأفراد حاشیته أيضا.
وعادة، تمثل أجزاء الجسم البشرى بحیث تبین وتمیز بكل وضوح. فھاھى العین قد صورت أما الرأس، فمن خلال "البروفیل"، والیدان مبسوطتان تماما، ؛ فى شكل المواجھة (face) والقدمان، من الجانب. ويبدو أن الشخصیات الھامة فقط، يتحتم تصويرھم بھذا الأسلوب . ولكن، يلاحظ أن جمیع ھؤلاء الأفراد من العامة التى تزخر برسومھم الأفاريز والجدران، الذين يبدون وكأن الحیاة قد دبت فى أجسامھم، وأخذوا يمارسون أعمالھم الیومیة .. لا ينطبق علیھم قانون "المواجھة" المشار إلیه آنفا. ومع ذلك، فھم أيضا يحظون ببعض "القواعد" الخاصة بھم . فإن ھذه الحیاة الجیاشة الدافقة، التى أفعم بھا كافة الأفراد بالرسوم الملونة التى أبدعھا الفنانون المصريون .. قد حجبت عن عیوننا كل العیوب أو التشوھات التى قد تصدمنا للوھلة الأولى . بل ھانحن قد شملنا الانبھار وجذبتنا إلیھا دوامة متوھجة تتراءى من خلال تلك المشاھد .. التى تعرفنا بشعب مصر جمیعه!
____________________
الموسوعة الشاملة للحضارة الفرعونیة
تألیف: جى راشیه
ترجمة: فاطمة عبد الله محمود
مراجعة وتقديم: د.محمود ماھر طه