المكتبة

محافل مميزه

الارشيف

لمتابعة جديد الموقع

البريد الإلكتروني " الإيميل "

الإنقاذ !!

الإنقاذ

فى الثامن من مارس 1960 ، أطلق المدير العام لمنظمة "الیونسكو" نداء علنیا عالمیا من أجل إنقاذ الآثار المھددة بالغرق من جراء تشیید "السد العالى ". وعلى ھذا النداء أجاب "أندريه مالرو" بحماس واقتناع وحذق. وھكذا، يمكننا أن نؤكد، أن العملیة الكبرى المزمعة قد نفذت تماما، فھا ھى الأغلبیة العظمى من المعابد قد أُنقذت. وبالرغم من ذلك، فإن جزء لا يستھان به من النوبة .. قد إختفى! ولعلنا نعرف أن الحكومة المصرية وقتئذ، "تعبیرا عن امتنانھا وشكرھا "، وتقديرا للعون والمساعدة المقدمة من جانب عدة دول، قد أصرت على تقديم بعض الآثار من التى عثر علیھا من خلال الحفائر والتنقیبات كإھداء. كما قدمت أيضا بعض المقصورات الصغیرة التى أُثنقذت من الغرق .
 
وكدلیل على وجود ھذه المنطقة التى غمرتھا المیاه؛ وھذا الإرث الجلیل، يمكننا أن نتأمل : فى "متحف تورينو": المقصورة الكھف من "اللیسیه "؛ ثم فى "متحف المتروبولیتان " بنیويورك قدمت مقصورة "دندور". أما عن مقصورة "دابود"، فقد منحت لأسبانیا؛ ومقصورة "طافا " أعطیت لمتحف "لیدن". والجزع العملاق الممثل لأمنحتب الرابع (أخناتون)، فكان من نصیب متحف "اللوفر".
وبالنسبة "للباب" الذى يرجع للعصر البطلمى، فقد أُھدى إلى متحف برلین، إلخ .. إلخ.

وعن المعابد الكبرى .. ھذه الشھود على التاريخ، التى لا تعوّض أبدا، فكانت الضرورة تحتم بقاءھا فى النوبة. وبذا، اقتضى الأمر نقلھا من مكانھا، ثم وضعھا بالسواحل المرتفعة التى لا يصل إلیھا مستوى میاه البحیرة: أى، على ارتفاع مائة وسبعین متر فوق سطح البحر . وكانت الضرورة تستدعى، فى المقام الأول، مراعاة اتجاه كل معبد منھا بالنسبة لشروق الشمس؛ وكذلك لمجرى النھر. لكى تتیسر عملیة حراسة ومراقبة تلك الكنوز النادرة التى وضعت تحت رعاية الصحراء فحسب، تم توزيعھا على أربعة مناطق متباينة؛ حیث يتوافد علیھا الزائرون . ولاشك أن آمالنا كبیرة فى أن تصبح تلك المناطق بمثابة أربع واحات، ممثلة للإطار المناسب لأجواء ھذه المعابد.
 
وھكذا، بشمال النوبة، على مقربة من "السد العالى "، قامت جمھورية ألمانیا الفیدرالیة بنقل وترمیم معبد كلابشة . وبجواره أيضا، جوسق "قرطاسى ". وغربا، بالمناطق العلیا، ساھم المھندسون الذين كانوا قد شاركوا بأعمال "أبو سمبل"؛ فى نقل المعبد شبه الكھف "بیت الوالى " ووضعه فى مكانه الجديد المحدد له. وبذا تكونت المجموعة الأولى من المعابد بعدئذ، لزمت الضرورة مجابھة التیار فیما وراء منطقة مدار السرطان . والھدف من وراء ذلك ھو: بالضفة الیسرى للبحیرة، ناحیة الغرب، وعلى مستوى أكثر اتساعا، استدعى الأمر وضع وتثبیت ثلاثة معابد أخرى. ھا ھى إذن واحة جديدة مقبلة، تتضمن فوق الربوة الأكثر ارتفاعا : معبد "الدكة"، وقد استدار صرحه، كما كان الحال، فى العصر الأوّلى، نحو الشمال. وعند مستوى أدنى، غیر بعید من الضفة، أعید إقامة معبد "المحرقة " الصغیر . وأخیرا، بالناحیة الجنوبیة، نجد أن ھذا التجمع الثانى، قد تضمن معبد "وادى السبوع " الضخم شبه الكھف، الذى يتقدمه طريق صغیر يصطف على جانبیه إثنتى عشرة تمثالا من تماثیل أبى الھول. وعلى ما يبدو، أن المعبد ذاته، قد تم نقله بواسطة وإشراف مھندسى مصلحة الآثار المصرية، إلى قلب الجرف الصخرى. وقد قام ھؤلاء المعماريون ذاتھم، تحت إدارة وإشراف دقیق فّعال من جانب المرحوم المھندس أحمد لطفى: بعمل ثلاثة كھوف صغیرة بالجرف الصخرى القائم على الطريق الصحراوى المؤدى، بداية من ذاك المعبد الأخیر، حتى ربوة "الدكة".
 
أما التجمع الثالث، أو بالأحرى، حیث تفیض بحیرة ناصر وتمتد امتدادا شاسعا بالصحراء نحو النوبة العريقة: فقد تكون، على الضفة الیسرى للنیل؛ معبد "عمدا " الصغیر، الذى تولت فرنسا مھمة الإشراف على انقاذه. وھو يعد بمثابة النصب الدينى الوحید، بالإضافة إلى معابد أبو سمبل، الذى لم يغادر منشأه، فقد تم خلعه من الأرض الصخرية التى كان قد أقیم علیھا سابقا . بعد ذلك، أجريت به أعمال تسلیح خرسانیة لتقويته وزيادة متانته. ثم نقل عبر الصحراء، فوق قضبان حديدية، إلى مسافة أربعة كیلومترات جنوبا. وفى النھاية، "وضع" (إذا جاز التعبیر ) ما بین الصخور والرمال : على ارتفاع مائة خمسة وستین متر من سطح البحر. 

وعلى نفس المستوى، نحو الجنوب إلى حد ما، استطاع المصريون بوسائل قلیلة وبسیطة للغاية، وبكل مقدرة ونجاح، إعادة إدخال معبد شبه الكھف "الدر"، بداخل الجرف الصخرى .. بعد أن اقتلعوه من الضفة الیمنى، على مقربة من  "كوروسكو": أى نقطة انطلاق القوافل المتوجھة نحو "أبو حمید"، فى السودان جنوب ھذه المنطقة الثالثة، تم الحفر بجزء بارز من صخور الجبل : لكى يتلقى بداخله المقصورة الجنازية الصخرية المصرية الوحیدة التى عثر علیھا بالنوبة. إنھا خاصة بأحد حكام "میعام " (عنیبة) القديمة، "المشرف على" معبد حورس بھذه المدينة، إبان حكم الملك رمسیس السادس.
 
ھا ھو شكل صخرى ضخم فى ھیئة مربع منحرف، على الضفة الشرقیة للنیل. وھو ما زال، حتى يومنا ھذا، يھیمن على ھذا النھر؛ بالرغم من أن تسعة أعشاره منغمسة تماما فى الماء: إنه "قصر أبريم". وھو يقع بناحیة الضفة الیسرى من العاصمة القديمة "میعام"": وقد ابتلعھا ألیم تماما الآن. وإذا توغلنا جنوبا، سنجد أنه يستھل منطقة "أبو سمبل". وتُرى قمة ھذه الصخرة وقد كستھا الأطلال التى تحیط بآثار كاتدرائیة النوبة المسیحیة : والتى تحولت فیما بعد إلى مسجد . وھناك يقوم بعض علماء المصريات، كل عام بعدة أبحاث. كما يعملون على إعادة تشیید عناصرھا المعمارية المنھارة.

نصل الآن، فى نھاية الأمر، إلى الواحة الرابعة : وھى حالیا فى مرحلة التكوين . إنھا من الموقع الجلیل المھیب الذى يتضمن معبدى أبو سمبل اللذين حفظا بفضل رفعھما فى مكانھما الأصلى: فھما بمنأى عن الغرق بفضل ارتفاع موقعھما. وبالناحیة الخلفیة، جنوبا إلى حد ما، انبثقت إحدى المدن بكل معنى الكلمة: تحظى حالیا بفندق ضخم لاستقبال الوافدين؛ وھو غیر بعید من مطارھا. والجدير بالذكر، أنه حتى عام 1964 كان أسلوب الإتصال النھرى الأسبوعى الوحید، بین أسوان ("سونو" القديمة) و"وادى حلفا" (بوھن)، يعتمد على السفن الإنجلیزية - السودانیة : إنھا تربط من خلال ثلاثمائة وتسعین كیلومتر، ما بین "الشلال الأول"، و"الشلال الثانى"، فى خلال وقت لا يقل عن ثلاثة أيام ونصف: مرة واحدة أسبوعیا.
 
ھذه إذن الإنجازات الآثارية بالنوبة الجديدة. ومنذ أوائل ھذا القرن ،ن دأبت أعمال التنقیبات والإستكشافات، على مدى السواحل كلھا، وعلى ارتفاع لا يقل عن مائة وعشرين متر فوق سطح البحر، على فحص الأرض وما تحتھا. ولاشك أن أكثر الإكتشافات نجاحا ھى التى أنجزھا العالم البريطانى "والتر إيمرى "، جنوب أبو سمبل فى منطقتى "بلانة "، و"قسط ل". ويتبین أن القلاع الحصینة الفائقة القدم والمنشآت التى كان قد تم إصلاحھا وترمیمھا فى أوائل ھذا القرن .. قد تلاشت حالیا فى جوف المیاه!.. ومع ذلك، فإن المعابد أنقذت من الغرق .. وھى فقط، التى تقوم بمھمة إعادة ذكرى آلاف السنین الماضیة. فلا ريب أبدا أن فعالیتھا التى أرادھا وھدف إلیھا الملوك الفراعنة .. ما زالت باقیة أبدا من خلال رسالتھا .
 
إذن، والحال ھكذا، يتحتم علینا إعادة استكشافھا، بواسطة مضمونھا الأوّلى، وأجوائھا . جملة القول: يجب أن نسترجع فى ذاكرتنا النوبة العريقة .. بمتابعة مراحل تاريخھا الكبرى!

إشتـرك يصــلك كل جديــد:
*ستصلك رساله على ايميلك فيها رابط التفعيل برجاء الضغط عليه حتى يكتمل اشتراكك*

تابعونا على الفيس بوك

قائمة متابعي الموقع

تعريب وتعديل: بلوجر بالعربي

Crown of Egypt "تاج مصر للتراث الفرعوني"