المكتبة

محافل مميزه

الارشيف

لمتابعة جديد الموقع

البريد الإلكتروني " الإيميل "

مأساة النوبة

مأساة النوبة!
فى بداية القرن العشرين، كانت النوبة ما تزال تضم بین جنباتھا سكانا متناثرين فى مختلف أنحاءھا: وھم يكتفون غالبا بالزراعات الضئیلة المتفرقة على جانبى النھر بأراضى صالحة للزراعة، محدودة المساحة. وتمیزت النوبة بالجنوح إلى السلام والبسالة. ومع ذلك، كان بدو الصحراء بین وقت وآخر يثیرون بھا القلاقل والاضطرابات.

إن النوبیین ھم "السادة المھیمنیین" الفعلیین على النھر. وھكذا نجدھم قد أقاموا على ضفتیه مساكنھم البیضاء اللون، ذات الواجھات المزخرفة بأسلوب طريف متفرد، يتب اين عن بعضه بعضا وفقا لاختلاف المناطق وتغايرھا. وعندما اضطرت مصر إلى مضاعفة رى أراضیھا الزراعیة، لزم الأمر، التضحیة بجزء من أراضى النوبة: التى لا تعتبر ذات فائدة اقتصادية واضحة؛ وتتسم مساحتھا القابلة للزراعة بضیق مداھا: ولذلك، تم إغراق ثلاثة أرباعھا من أجل الحصول على بحیرة لحفظ میاه النھر. وھكذا، فإن أغلبیة میاه الفیضان السنوية بالنیل، ، التى كانت تنساب سريعا نحو البحر الأبیض المتوسط؛ توقفت وحفظت بواسطة سد، أقیم فورا بجنوب "الشلال الأول ": تمت إطالته، لمرتین متتالیتین منذ عام 1960 . وبالتالى، تحول إلى خزان ھائل الضخامة لا يقل ارتفاعه عن مائة
وعشرين متر فوق سطح البحر عند قفل أبوابه.
 
وحالما يصل فیضان مصدرى النیلإلى "الشلال الأول"، فسرعان ما تفتح أھوسة الخزان لینھمر المد المائى القوى المشبع بالغرين الأثیوبى من نھر "عطبرة " الفائق الخصوبة . ويغمر كل أراضى مصر: طوال فصل الفیضان الذى يتراوح من أواخر يولیه وحتى نھاية نوفمبر . وھكذا، اضطر النوبیون إلى ترك مساكنھم، وأقاموا بدلا عنھا بیوتا تفوقھا ارتفاعا بحوالى خمسة وعشرين متر ..
وبعیدا عن الشطئان السابقة .
 
لقد ھاجرت بعض العائلات النوبیة إلى المدن الكبرى بمصر. ولكن، يلاحظ أنھم أساسا ھم الذين نزحوا من وطنھم ھذا: وھم يتمیزون بالعزم والصلابة، والأمانة والشرف. وأقبلوا إلى ھذا البلد لیلتحقوا ببعض الوظائف بالھیئات والمصالح الحكومیة؛ أو بمساكن المصريین كبوابین و "سفرجیة ".
 
أما نسائھم، فقد بقین فى وطنھم النوبة لرعاية المسنین والأطفال، واجتھدن فى الإشراف، بدقة وعناية على شئون بیوتھن. وغالبا، عن طريق البريد – النھرى، أسبوعیا، كانت تصلھن من أزواجھن بعض الطرود التى بعثوا بھا من مصر؛ وبھا كمیات من الملح، والأرز، والعجائن، والدقیق، والسكر، والشاى والبن، إلخ .. إلخ.
 
وعن المعابد الفرعونیة والإغريقیة – الرومانیة الھائلة العدد الموزعة على مدى سواحل النوبة المصرية: التى لا تقل مساحتھا عن ثلاثمائة وتسعین كیلومتر .. وقد أھمل معظمھا، اضطرارا وإلزاما؛ وعلى مدى تسعة أشھر كاملة، وبدون أن يتم تقويتھا ودعمھا مسبقا ، كانت تغمرھا المیاه. بل تغسل مرارا وتكرارا تحت سطح المیاه. ومع ذلك، فقد كانت تنبثق ثانیا من بین الأمواج عندما يتم فتح أبواب السد مرة أخرى. ولكن، مما يؤسف له، أنھا فقدت تماما نقوشھا الملونة. وكان ھذا، بوجه خاص حال المعابد التى شیدت على ساحل النیل، خلال العصر الإغريقى - الرومانى، على مساحة تعادل مائة وعشرين كیلومتر، بالنوبة المصرية: وأكثر زخارفھا جمالا وروعة توجد فى معابد جزيرة "فیله".مأساة النوبة

ولكن، ناحیة الجنوب، لوحظ أن النصب والمنشآت الدينیة، التى أقیمت غالبا فى ھیئة معبد كھف أو شبه كھف، وحفرت عامة فى أعماق الجرف الصخرى .. لم تصل إلیھا المی اه!.. وبداية من عام 1952 ، أُرغمت السلطات بمصر، لدواعى التزايد السكانى السريع، على تكثیف وزيادة قوة الرى بھذا البلد.
 
وضمن المشاريع المقترحة، يمكننا الإشارة إلى المشروع الآتى : إقامة سد من الطمى والرصف الحجرى فى الماء : والذى أعتبر، الأكثر توافقا وتطابقا بال متطلبات القائمة .. وطبیعیا، أن اختیار موقع إقامته قد تحدد بالمكان الذى تبدو فیه ضفتا النیل أكثر تقاربا ودنوا من بعضھما بعضا : أو بالتحديد، على بُعد بضعة كیلومترات جنوب "الشلال الأول". وبداية من عام 1960 : احتل ھذا الموقع مشروع آخر، عملاق، ھو "السد العالى". والذى أصبح، بمرور الأعوام، بمثابة عنصر طبیعى فعلى، أو بالأحرى .. مضیق يجمع ما بین الضفتین!!
 
لقد أقیم "السد العالى" لمجابھة الفیضان. وبالتالى لم يسمح له بإغراق الأراضى المصرية فى وقت ذروته. ولكن، فى ذات الحین، تعمل المفارق أو الفتحات الإثنتى عشرة التى جھز بھا، على توزيع المیاه اللازمة، توزيعا منتظما فى كافة فصول العام. إن "السد العالى" لا يقل طوله عن ثلاثة آلاف وستمائة متر. وھو يعمل على تكوين بحیرة أطول مدى من "بحیرة فكتوريا " (ولكن أقل عرضا). وبذلك، فھو يستطیع أن يختزن خمسمائة سبعة وخمسین ملیار متر مكعب فى نطاق النوبة المصرية قاطبة. ويمتد على مدى مائة وخمسین كیلومتر شمال السودان، لیصل إلى "الشلال الثالث"، بمنطقة "دال".
 
ربما أن "السد العالى"، قد أتاح، بشكل ما، توفیر الخبز لحفظ رمق الحیاة .. ولكنه، فى ذات الحین، أضر بالحجر ضررا قاسیا!! فھذا ھو بالفعل ما وقع للمعابد، والمقاصیر، واللوحات الحجرية، والرسوم المنقوشة فوق الصخور؛ وكافة دلائل الحضارة العريقة القدم التى ظھرت وازدھرت بتلك المنطقة كلھا. فھا قد صدر حكم نھائى بإغراق كل شئ إلى الأبد !!.. ولكن، علینا، أن نُقر، ولا يذكر حكمته ھذه : "حالما - ننسى أن "الإنسان لا يحیا بالخبز فقط" .. وھاھو القديس "متى" يتم إشباع الجوع المادى؛ فسرعان ما يظھر الجوع الذى لا يخمد ولا ينطفئ أبدا .. المتعلق بأشیاء أخرى"!!
 
لذلك، حتمت الضرورة إنقاذ معابد النوبة من الغرق الأبدى: خاصة، أنھا كانت، معرضة لخطر جسیم منذ حوالى نصف قرن : ھذه النصب المجھولة إلى حد ما، لعدم سھولة الوصول إلیھا، المفعمة بالتاريخ والوقائع والقصص .. ولم يكن أحد يعرف مضمون وحقیقة رسالتھا إذن، والحال ھكذا، كان علىّ، كأثرية، أن أوجه تحذيرا إلى كبار شخصیات العالم أجمع . بل وأھیب بھم بالمشاركة فى عمل جماعى: من أجل الحفاظ على ھذا الإرث الثقافى .. الذى أعتبر،لأول مرة فى التاريخ بمثابة جزء من التراث الحضارى للإنسانیة جمعاء .

إشتـرك يصــلك كل جديــد:
*ستصلك رساله على ايميلك فيها رابط التفعيل برجاء الضغط عليه حتى يكتمل اشتراكك*

تابعونا على الفيس بوك

قائمة متابعي الموقع

تعريب وتعديل: بلوجر بالعربي

Crown of Egypt "تاج مصر للتراث الفرعوني"