قائمة الروابط
محافل مميزه
الارشيف
لمتابعة جديد الموقع
بطلمیوس سوتیر وفیلادلفوس


بطلمیوس سوتیر وفیلادلفوس
ينحدر بطلمیوس بن لاجوس من طبقة النبلاء المقدونیة، وھو أيضا على قرابة من العائلة المالكة من ناحیة الأم "أرسینوى". لقد تربى ونشا فى بلاط فیلیب الثانى. ولاشك أنه قد شارك فى المعارك الحربیة التى قادھا ھذا الأخیر. بعد ذلك أصبح من حاشیة الإسكندر الأكبر، الذى كان يصغره بحوالى عشر سنوات. وبالرغم من انه كان قد التحق عام 330 ق.م بالحرس الخاص الوثیق الصلة بالملك، وبالتالى "بقیادته العلیا"، فعلى ما يبدو، أن دوره كان ضئیلاً نسبیا فى الحملات العسكرية لغزو آسیا. ولكن، عندما توفى الإسكندر فى شرخ شبابه، ( 10 يونیه 332 ق.م)، وجد نفسه ضمن مجموعة محدودة للغاية مكونة من بضعة ضباط يضعون بین قبضاتھم مصیر الإمبراطورية التى كانت قد خضعت منذ فترة وجیزة. وبما أن الإسكندر لم يخلف وراءه أى وريث لتبوء السلطة، فقد ثار صراع بین عدد من القادة الطامعین فیھا. بل إن كل منھم كان على أتم استعداد، لكى ترجح كفته، أن يفصم عُرى التوازن الذى كان قد نظم بكل دقة وعناية إبان الاتفاقیة التى كانت قد أبرمت فى بابل. ولم يكن بطلمیوس يحتل مكان الصدارة كشخصیة عظمى، أو يحظى بسیادة ذات شأن، فلم يستطع، بل لنقل لم يرغب فى المشاركة فى مضمار المنافسة التى اشتعلت وقتئذ . وبذا، فقد طلب أن يكون حاكم لمصر، وسرعان ما لبى طلبه بدون صعوبة تذكر . وفى ذاك الحین، كان "كلیومین نقراطیس " يھیمن على إدارتھا، فعین كنائب ومساعد له. وكان ھذا الأخیر فقد شعبیته للغاية، سواء من ناحیة الأھالى المصريین أو الإغريق الذين ھاجروا إلیھا. وذلك بسبب الإجراءات المتعسفة الذى كان قد اتخذھا من أجل تمويل عملیات بناء وتشیید العاصمة الجديدة الذى كان الإسكندر قد كلفه بھا . وبذا، لم يجد بطلمیوس أى صعوبة، بعد وصوله إلى مصر بفترة وجیزة، فى إزاحة مساعدة ھذا غیر المرغوب فیه تماما.
ينحدر بطلمیوس بن لاجوس من طبقة النبلاء المقدونیة، وھو أيضا على قرابة من العائلة المالكة من ناحیة الأم "أرسینوى". لقد تربى ونشا فى بلاط فیلیب الثانى. ولاشك أنه قد شارك فى المعارك الحربیة التى قادھا ھذا الأخیر. بعد ذلك أصبح من حاشیة الإسكندر الأكبر، الذى كان يصغره بحوالى عشر سنوات. وبالرغم من انه كان قد التحق عام 330 ق.م بالحرس الخاص الوثیق الصلة بالملك، وبالتالى "بقیادته العلیا"، فعلى ما يبدو، أن دوره كان ضئیلاً نسبیا فى الحملات العسكرية لغزو آسیا. ولكن، عندما توفى الإسكندر فى شرخ شبابه، ( 10 يونیه 332 ق.م)، وجد نفسه ضمن مجموعة محدودة للغاية مكونة من بضعة ضباط يضعون بین قبضاتھم مصیر الإمبراطورية التى كانت قد خضعت منذ فترة وجیزة. وبما أن الإسكندر لم يخلف وراءه أى وريث لتبوء السلطة، فقد ثار صراع بین عدد من القادة الطامعین فیھا. بل إن كل منھم كان على أتم استعداد، لكى ترجح كفته، أن يفصم عُرى التوازن الذى كان قد نظم بكل دقة وعناية إبان الاتفاقیة التى كانت قد أبرمت فى بابل. ولم يكن بطلمیوس يحتل مكان الصدارة كشخصیة عظمى، أو يحظى بسیادة ذات شأن، فلم يستطع، بل لنقل لم يرغب فى المشاركة فى مضمار المنافسة التى اشتعلت وقتئذ . وبذا، فقد طلب أن يكون حاكم لمصر، وسرعان ما لبى طلبه بدون صعوبة تذكر . وفى ذاك الحین، كان "كلیومین نقراطیس " يھیمن على إدارتھا، فعین كنائب ومساعد له. وكان ھذا الأخیر فقد شعبیته للغاية، سواء من ناحیة الأھالى المصريین أو الإغريق الذين ھاجروا إلیھا. وذلك بسبب الإجراءات المتعسفة الذى كان قد اتخذھا من أجل تمويل عملیات بناء وتشیید العاصمة الجديدة الذى كان الإسكندر قد كلفه بھا . وبذا، لم يجد بطلمیوس أى صعوبة، بعد وصوله إلى مصر بفترة وجیزة، فى إزاحة مساعدة ھذا غیر المرغوب فیه تماما.
ومما يثیر الدھشة حقا، انه فى بداية الأمر لم يتخذ الإسكندرية كمقر له . بالرغم من أن كلیومین، من قبله، كان قد أسس بھا حكومته. واختار بطلمیوس مدينة "منف" لتكون مقرا له : إنھا العاصمة العريقة لمصر الفرعونیة. وحقیقة أن الإسكندرية، بعد مرور حوالى ثمان سنوات على تأسیسھا، قد بدت وقتئذ، وكأنھا ساحة بناء كبرى، فلم يكن ذلك ھو المبرر للقرار الذى اتخذه بطلمیوس، فھناك أسباب عديدة أخرى، عملت على تحديد اختیاره ھذا، فقد كانت "منف " تتمتع بموقع نموذجى حقا: إنھا تقع عند ملتقى الدلتا بوادى النیل . وبالإضاف ة لذلك، كانت بمثابة المركز الصناعى والتجارى لمصر كلھا. كما أن موقعھا الاستراتیجى على مقربة من الحدود الشرقیة والبحر الأحمر، كان يفوق موقع الإسكندرية، المنعزلة ناحیة غرب الدلتا ولیبیا . وأخیراً كان الأمر يبدو أكثر سھولة لعقد علاقات طیبة مع أفراد الشعب المصرى انطلاقاً من المركز الثقافى والدينى الأول بمصر قاطبة: أى "منف". ولا يستبعد أبدًا، أن بطلمیوس، فى وقت من الأوقات، قد فكر فى التخلى عن تلك الفكرة التى بدت له باھظة التكالیف وخیالیة جدًا: ألا وھى تشیید عاصمة جديدة نائیة وخیالیة للغاية عن المركز الرئیسى، خاصة أن الإسكندر باعثھا ومحركھا الأعلى قد مضى وانتھى . ففى عام 322 ق.م، قام بطلمیوس بعملیة "دعاية" رائعة، فقد قرر برديكاس، الذى كان يشغل وقتئذ منصب الوصى على عرش الإمبراطورية، نقل جثمان "فاتح بابل " (الإسكندر ) إلى الجبانة الملكیة فى مقدونیا وھى "فیرجینیا" الحالیة، ولكن، ھا ھو بطلمیوس يقوم بتغییر اتجاه الموكب الجنازى أثناء عبوره لسوريا، ويحضر الجثمان إلى "منف"، وقطعا استشاط الوصى على العرش غضبا وثورة على مثل ھذا التصرف.
بعد ذلك، وجد برديكاس نفسه فى مجابھة تحالف واسع المدى يتكون من قادة الجیش، وكان على يقین أن بطلمیوس ھو المحرك والمؤجج الأول له: فقرر القضاء على ھذا الأخیر. وقام بغزو مصر عام 321 ق.م. ولكنه لم يفلح أبدًا فى اقتحام "منف " المنیعة التى عرف "البطلمى " كیف يحصنھا تحصینا قوياً بالإضافة أن النیل، فى قوة فیضانه وعنفوانه، كان يقوم أيضاً بحمايتھا، وقد اعتبره جنده مسئولاً عن الھزيمة التى أحاقت بھم، فقاموا باغتیاله. ومن خلال مؤتمر حديث عقد فى ترى باراديسوس، بشمال سوريا، أعلن بطلمیوس عن خلافته لبرديكاس فى منصبه كوصى على العرش : وھكذا، بین عن مدى طموحاته، بداية من حدود مصر إلى البلاد المتاخمة لھا، كمثل "برقة " الذى بسط علیھا نفوذه، ثم "قبرص" التى أقر ملوكھا الضئیلو الشأن بسلطته علیھم، وفى واقع الأمر، أن بطلمیوس، لم يكن يرغب فى الاستیلاء على فتوحات الإسكندر المترامیة الأطراف، ولكنه، مع ذلك، كان يريد أن تكون لمصر امبراطوريتھا الخاصة بھا.
لم تستطع "تريباراديسوس" وضع حد لل نزاعات ما بین الخلفاء وبعضھم بعضا . لقد توالى ھؤلاء "الورثة" الواحد فى أثر الآخر على مدى عشرين عام بعد ذلك . وخلال ھذه الفترة، تیقن بطلمیوس من رسوخ وضعه تماماً فى مصر. وبذا، حاول أن يضم قبرص أيضاً داخل دائرة نفوذه، وأن يستحوذ على قواعد فى آسیا الصغرى، وكذلك يحتل، بصفة خاصة كلاً من فلسطین وسوريا، باعتبارھما مناطق نفوذ منذ الدولة الحديثة، ثم تمكن "أنتیجون لوبورئى " وابنه "ديمتريوس " عام 306 ق.م من انتزاع قبرص من قبضته، وألحقا به ھزيمة بحرية منكرة . واستتبع ھذا الإخفاق الغیر منتظر وضع نھاية لملكیة ابن الإسكندر الذى وُلد بعد وفاته، حیث اغتیل عام 310 ق.م: لأن المنتصرين قد تماديا إلى درجة انتحال اللقب الملكى مثلما فعل بطلمیوس من قبلھما فى 305 - 304 ق.م، عندما فشل "أنتیجون" وابنه بدورھما فى محاولتھما لغزو دلتا النیل، وأخیراً وبعد محاولتین فاشلتین فى عامى 319 و 312 ق.م، تمكن بطلمیوس عام 301 ق.م من الاستیلاء على الجزء الجنوبى من سوريا وفلسطین. وفى نفس الحین؟، فى منطقة إبسوس، دُحر "انتیجون لوبورنى" وقُتل، وھو آخر الطامعین فى المكانة العالمیة.
ولاشك أن واقعة إبسوس قد وفرت للعالم الھیلینى شیئا من الاستقرار . وحقیقة أن ابن "أنتیجون لوبورنى" "غازى المدن" ھو فقط الذى استمر لبضعة سنوات أخرى كمصدر متاعب وقلاقل فعلیة، ومع ذلك، فقد نجح بطلمیوس فى انتزاع قبرص من قبضته فى بداية عام 295 ق.م. وعندئذ لم يتبق أمام بطلمیوس سوى عدو واحد فقط يماثله قوة وجسارة : إنه سلیوكوس، الذى كان يسیطر عندئذ على الجزء الأعظم من آسیا، بالإضافة إلى شمال سوريا، ويسعى للاستحواذ على جزءھا الجنوبى المنضم إلى مصر. وبذا، أصبحت ھذه المنطقة موضع نزاع بین الأسرتین طوال ما يزيد عن قرن.
وعلى ما يبدو أن تطور سیاسة مصر الخارجیة وقتئذ، وقابلیة موقع مدينة "منف " للھجوم والإصابة التى تكشفت بوضوح من خلال عملیة غزو برديسوس لھا عام 321 ق.م، بالإضافة إلى المشروع ذو السمات الرمزية الواضحة المتعلق بنقل جثمان الإسكندر إلى أول مدينة أنشأھا ھذا البطل المغوار. كافة ھذه الأسباب، فى نھاية الأمر، حثت بطلمیوس وشجعته على مغادرة "منف " لیتخذ مقر عاصمته بالإسكندرية، وربما لم يُعرف بالتحديد تاريخ عملیة الانتقال ھذه . عموماً، لقد سبقت عام 311 ق.م، أى الموعد الذى نقشت خلاله "لوحة الحاكم": أى الدلیل الوثائقى الأول عن إنشاء المدينة الجديدة. ويعبر النص المنقوش علیھا بالھیروغلیفیة، عن توضیح معالم وأسس سیاسة الكھنة المصريین. وھكذا، علم ھؤلاء بالإسم الرسمى لھذا المقر الملكى الجديد : "جدار ملك مصر العلیا والسفلى [……]، إبن رع الإسكندر" واحتلت ھذه التسمیة مكانا واحدا آخر اتسمت بالركاكة والإبتذال، الا وھو "ساحة عمل" (راكوتیس) التى كان الأھالى المصريون قد أطلقوھا تلقائیاً على المدينة أثناء فترة إنشاءھا. ولكن، على ما يبدو أن ھذا الإعلام الملكى قد بقى، إذا سمح التعبیر، مجرد "حبر على ورق": فإن إسم "راكوتیس" الذى أطلقه المصريون على مدينة الإسكندرية ھو الذى ساد وبقى حتى تاريخ الغزو الإسلامى.
اتبعت وقتئذ سیاسة للتصالح مع الطبقة الحاكمة الوطنیة القديمة، التى تجلت من خلال منح وظیفیة علیا فى نطاق الجیش وبإطار الإدارة لبعض كبار القوم المصريین المناصرين لنظام الحكم الجديد، وقد تواكب ذلك، مع عملیات منتظمة لاستیطان الأراضى المصرية. ولذا، فقد استدعى الأمر استقطاب المواھب والخبرات الإغريقیة إلى الإسكندرية، سواء فى مجال أوجه النشاط التجارية، أو الفنیة، أو الأدبیة. بل واستدعت الضرورة أيضاً، احتلال أجواء المدن والقرى، ولقد ساعد ذلك على تطبیق فكرة "الكلروكیس" (المستعمرات )، أى بالتحديد الاستعمار العسكرى . وھكذا، كُون جیش دائم، مفعم بمشاعر الولاء والإخلاص، يتضمن المھاجرين الوافدين من كافة أنحاء العالم الھیلینى، وأنعم على كل فرد من أفراده، بمساحة من الأراضى بمثابة ھبة من جانب الملك بشروط میسرة : تسمح له بالعیش الرغد، وتلزمه أيضاً بأن يكون على أھبة الاستعداد لتلبیة الخدمة العسكرية إذا استدعت الضرورة ذلك. وھكذا تخلص الملك من الاحتمالات والمشاكل المرتبطة بتجنید المرتزقة . بل وساعد ھذا الأسلوب على الاستغناء أيضاً عن إقامة الكثیر من المدن الإغريقیة على أرض وادى النیل. فإن بطلمیوس لم يشید بھا سوى مدينة واحدة فقط أطلق علیھا إسم "بطولیمیس كبديل لمدينة "طیبة"، ولتكون عاصمة مصر العلیا. وأھم الأدباء والكتاب الذى استدعاھم ،"Ptolemais بطلمیوس إلى الإسكندرية، يحتل "ديمتريوس دى فالیر" مكان الصدارة، وھو فیلسوف ورجل سیاسة أثینى، كان "أنتیجون" قد طرده من منصبه حوالى عام 307 ق.م؛ وكان له تأثیر بالغ الأھمیة فى إنشاء "المتحف والمكتبة" ولكن نصائحه وتوجیھاته للملك، كان يجانبھا الصواب . وفى أخريات أيامه، عندما ناھز الثمانین من عمره، شعر بطلمیوس بتردد بالغ أمام اختیاره لخلیفته على العرش، ضمن أولاده من زوجتیه الإثنتین المتتالیتین إنھما : "إيوريديس" إبنة الوصى على العرش ال سابق المقدونى، المدعو "أنتیباتر"، ثم ھناك "برنیكى " التى كانت تشغل وظیفة وصیفة زوجته الأولى، وعمل "ديمیتريوس" على مؤازرة أكبر أبناء بطلمیوس سناً، وكان يدعى بطلمیوس أيضاً، ويلقب بلقب "الصاعقة" إيماء إلى طبعه الحاد العنیف غیر المتوقع. ولكن فى نھاية الأمر، فضل الملك المُسن علیه ابن "برنیكى"، وھو الآخر يدعى بطلمیوس، وقد تتلمذ وتعلم على أيدى كبار عباقرة وفلاسفة ذاك العصر، وبذا ففى عام 285 ق.م، أنعم بطلمیوس الأب على ابنه بطلمیوس الثانى باللقب الملكى، وھنا، لم يستطع أخوه غیر الشقیق الثائر الغاضب سوى الإلتجاء إلى ملك ثراس.
وقد اتصف الملك الجديد بطباع تختلف كثیراً عن والده، ولكنه، على أية حال، كان يماثله فیما يتوخاه من حیطة وحذر ودبلوماسیة فائقة الحد، واستمر على العرش حوالى تسعة وثلاثین عاما، حیث تخلل عھده الكثیر من التعارضات المثیرة للدھشة والعجب . ومن ناحیة، لم تصل إلى علمنا معلومات تذكر عن حروبه أو دبلوماسیته أو نمط الحیاة فى قصره، ومع ذلك، فبین وقت وآخر نجد أن أحد المؤرخین أو محررى الحولیات، قد نقل إلینا عن ھذه المجالات بعض النصوص؛ ومن ناحیة أخرى، نرى أن بعض الحكايات والنوادر تسمح لنا بأن نُكون عنھا رؤية غیر محددة تماماً. ولاشك أن محفوظات زينون، أى أكثر الملفات أھمیة عن العصور القديمة ترجع إلى تلك الفترة. فقد تسمح ھذه الآلاف من أوراق البردى بإعادة تمثیل نمط الحیاة فى نطاق بعض الأملاك الزراعیة المترامیة الأطراف، التى لا تقل مساحتھا عن 2750 ھكتار، بإقلیم الفیوم. وكان بطلمیوس الثانى قد وھب إحداھا لوزير مالیته أبولونیوس الذى كان يرتبط بصداقة وثیقة "بزينون". وھكذا أحطنا علماً بالكثیر من النصوص المتعلقة بالأوامر القضائیة، والمراسلات والمراسیم والتعلیمات الرسمیة، كمثل القوانین الخاصة بالضرائب والاستثمارات الملكیة، ولا ريب أن التحديد المتناھى والدقة البالغة، وصرامة المراقبة وحزمھا من جانب الدولة إزاء الاقتصاد الذى تناوله ھذه الكتابات، قد أثارت دھشة وإعجاب المؤرخین، ولاشك أن ھذا المفھوم "التمادى الحر" الذى انتھجته الإدارة البطلمیة، بالإضافة إلى التألق والبريق الذى أضفاه الملك وقتئذ على الحیاة الثقافیة بعاصمته، والفخامة والأبھة التى كان يستعرضھا من خلال النصب والمنشآت التى أقیمت بالإسكندرية، وضواحیھا أيضاً، قد جعلت بطلمیوس الثانى يبدو وكأنه لويس الرابع عشر الھیلینى.
عموماً، من أھم مظاھر سیاسته : تنظیم وتعظیم العبادات الأسرية، ف بداية من عام 279 ق.م، أمر بإقامة دورات رياضیة كل أربع سنوات تكريماً لأبیه المؤله، الذى لقب باسم "سوتیر" (المنقذ)، الذى كان أھل "رودس" قد خلعوه علیه منذ عام 305 ق.م. وبمناسبة ھذه الألعاب الرياضیة، كانت تقام أعیاد فائقة الفخامة والروعة. والجدير بالذكر، أن الاحتفال الثالث، فى الفترة ما بین 271 - 270 ق.م، قد وافق تاريخ الإنتصار النھائى لحرب سوريا الأولى : وقد أُستھل بموكب يتسم بالھوس والغرابة، ويعبّرعن الأصل "الديونوسى" للسلالة الملكیة، ولقد ترك لنا "كالیكسین الروديسى" وصفاً بلیغا عنه. ولكن أكثر ما فعله ھذا الملك ش ھرة وذيوع صیت ھو زواجه من أخته أرسنوى الثانیة، وكانت قد تزوجت قبل ذلك من حلیف أبیھا الرئیسى الملك "لوسیماخوس " الذى يحكم مقدونیا . وفى ذاك الحین، كان الشاب بطلمیوس مقترنا من إبنة ھذا الأخیر أى أرسنوى الأولى، وبعد سلسلة من الأحداث الدرامیة، تحولت "أرسنوى" الثانیة إلى أرملة واضطرت للجوء إلى مصر فى عام 379 ق.م. وھنا، سارع أخاھا إلى نبذ زوجته وطلاقھا لیعقد زواجه المحرم على أخته .
وأصبح الحدث موضع انتشار وعجب لم يسبق له مثیل فى أنحاء مصر . وبالرغم من أنه يتنافى مع العرف والتقالید الإغريقیة. فإن بطلمیوس، قد أراد، بمثل ھذا الأسلوب، أن يؤكد ويرسخ من طبیعته الإلھیة ھو وأفراد عائلته جمیعاً، بإعتبارھم منزھون عن القواعد البشرية العامة الدارجة. وھكذا تكّون نمط من الأسر المقدسة حول فكرة الزوجین الأخوين: إنھما يمثلان النموذج الأصلى للأزواج الإلھیة عند بدء الخلیقة، سواء المصرية (أوزيريس – وإيزيس ) أو الھلینیة (زيوس – وھیرا ) وھكذا، أصبحت "أرسنوى" حتى وھى مازالت على قید الحیاة الإلھیه "فیلودلفیوس" "التى تحب أخیھا ". ويلاحظ أن ھذا الوصف "فیلادلفیوس" لم يخلع على أخیھا / زوجھا إلا بعد مرور حوالى ألف عام.
حقیقة أن الحروب التى شنھا بطلمیوس الثانى بالخارج قد لاقت بعض العثرات، خاصة فى "آسیا الصغرى"، بالإضافة إلى مغالاته فى فرض الضرائب على الأھالى المصريین، مما نجمت عنه توترات إجتماعیة مثیرة للقلق. ولكن، بالرغم من ذلك، فقد تراءت فترة حكمه وكأنھا عصر ذھبى : تألق "المتحف" وازدھر بفضل أشعار وقصائد التراتیل التى وضعھا "كالیمانك "، وغزلیات "ثیوكريت " أو الملحمة الحماسیة التى قدمھا "أبولونیوسالروديسى"، حیث عمل "ھرافیل " على دراسة تشريح الجسم البشرى والغوص فى أعماقه، وقام "أريستارك" بحساب المسافة ما بین القمر والأرض ووضع الشمس فى وسط الكون. فھا ھو إذن عصر الإنفتاح على العالم : فنجد على سبیل المثال، بعض المغامرين الشجعان، وقد أحضروا، من الغابات الأفريقیة، أعدادا من الفیلة من أجل الجیش الملكى .
وخلاف كل ذلك، كان بطلمیوس حريص كل الحرص على مد تألقه وازدھاره إلى كافة شعوب الأرض، وبذا فقد بعث بسفراء إلى الغرب، عام 273 ق.م، حتى روما، التى لم تكن تعدو أن تكون وقتئذ سوى قوة إقلیمیة ضئیلة الشأن، وشرقاً حتى الھند، وھكذا، كان ملكھا "أكوكا" حوالى عام 250 ق.م.يتفاخر بأنه على صلات ديبلوماسیة بالبلاط السكندرى.
میشیل شوفو
میشیل شوفو
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الإسكندرية ملكة الحضارات
تألیف: جان إيف أمبرور
ومجموعة من علماء الآثار
ترجمة: فاطمة عبد الله محمود
مراجعة: محمود ماھر طه
تألیف: جان إيف أمبرور
ومجموعة من علماء الآثار
ترجمة: فاطمة عبد الله محمود
مراجعة: محمود ماھر طه