قائمة الروابط
محافل مميزه
الارشيف
لمتابعة جديد الموقع
المصريون والفرس


المصريون والفرس
لا شك أن ھذه الثورة لم تكن الأولى من شأنھا، فقد سبقھا الكثیر غیرھا منذ بداية الغزو الفارسى لمصر بقیادة "قمبیز " ( 525 522 ق.م). فھل عساھا تسمح للمؤرخ بعمل تحلیل لردود الأفعال والمشاعر والأحاسیس لدى عامة الشعب المصرى تجاه الاحتلال الفارسى، قبیل الغزو المقدونى؟ … وربما قد لا يسھل علینا الإجابة بكل بساطة على مثل ھذا السؤال المعقد . خاصة أن الوثائق والمستندات الحالیة لا تسمح أبدًا بعمل تحقیقات استفتائیة خاصة بالرأى العام المصرى وقتئذ. ولكن الأمر الوحید المؤكد، أنه: على مدى القرنین الخامس والرابع ق.م، عبر المصريون لمرات عديدة عن رغبتھم فى إزاحة الاحتلال الأجنبى . ويتراءى واضحاً ان التقالید الكلاسیكیة قد اتفقت بالإجماع على كراھیة "أرتكسركسیس الثالث". فھا ھو، على سبیل المثال "ديودور الصقلى" يتھمه بسلب ونھب المعابد، وأنه قد استولى على الحولیات المقدسة، وقام أحد معاونیه بعد ذلك ويدعى "باجواس" ببیعھا لكھنة مصر. بل ھناك بعض التقالید الأخرى قد وجھت إلیه إتھامًا بانه قد أجھز بكلتا يديه على حیاة أحد عجول "أبیس": وتقول ھذه الرؤية أن "باجواس"، وقد تنكر فى زى أحد المصريین، قد أنھى على حیاة "أرتكسركسیس" انتقامًا لمقتل أبیس. وقیل أن الملك قد قتل وقطع إربًا وألقیت أجزاء جسمه للقطط لكى تنھشھا، وتكفل باجواس بالقیام بھذه المھمة . وقد يلاحظ أن كل من "قمبیز" و"أرتكسركسیس" قد وضعا معًا على صعید واحد: قد يبین ذلك أننا ھنا أمام بعض الحكايات الشعبیة التى تم تأويلھا فى وقت متأخر، وبذا، لا يجب أن نعتبر كلام ال راوى كأمر مسلم به. وكذلك الأمر بالنسبة للتصريحات المتكررة المعبرة عن الإنتصار، حیث يتفاخر البطالمة بأنھم قد أعادوا إلى مصر التماثیل الإلھیة التى كان الفرس قد نھبوھا وأخرجوھا من أراضیھا . وربما لا يعدو الأمر ھنا سوى نوع من الدعاية التى تھدف قبل كل شئ إلى ترس یخ أسس شرعیة البطالمة الفرعونیة. ومع ذلك، فلا شك مطلقاً أن الغزو الفارسى الثانى لمصر قد استتبعه إجراءات قمع وردع صارمة. ولكن لیس ھناك ما يدعونا للإعتقاد بأن "الملوك الأقوياء" قد مارسوا، بشكل منتظم سیاسة معادية تمامًا لمعابد مصر وشعبھا، على غرار أسلافھم بالقرن الخامس ق.م. فلا شك، أنھم، على عكس ذلك، قد أرادوا الاعتماد على مساعدة الطبقة المصرية المتمیزة: لقد أحطنا علمًا بأن الكثیرين من علیة القوم ووجھاء المصريین قد قبلوا مبدأ التعاون مع السلطة الفارسیة، بالرغم من أن بعض الكتابات اللاحقة للاحتلال الفارسى قد بینت أنھم حاولوا التباعد عنھا إلى حد ما.
فھكذا يبدو الأمر للمدعو "بیتوزيريس": فھو سلیل إحدى العائلات من كھنة الإله "تحوت" فى الأشمونین، وعاصر على ما يبدو، كل من الاحتلال الفارسى الثانى والغزو المقدونى . وتطابقًا مع المعايیر الأدبیة السائدة وقتئذ، اتجھت كتاباته المتعلقة بالسیر الذاتیة إلى تمجید قیمة وضخامة الخدمات التى كانت تؤدى للآلھة، فى نطاق المعابد. وأيضًا تلك التى تقدم للأھالى بمنطقة الأشمونین. وكذلك، حاول أن يبرأ ذكرى أخیه "جتوتف عنخ"، الذى كان قد عین لدى نختانبو الثانى، وعاصر فترة عودة الاحتلال الفارسى إبان حكم أرتكسركسیس الثالث. وھا ھى بعض الكتابات التى دونھا شخص يدعى باديكام، حفید بیتوزيريس: إنھا تصور وقتئذ فترة تسودھا القلاقل والإضطرابات : "كانت مصر تنوء وقتئذ تحت وطئ حكم زعیم بلد أجنبى. وعمت الفوضى كل شئ : فقد اشتعلت الصراعات بداخل أرض وادى النیل. وفى نفس الحین اجتاحت الجنوب بعض القلاقل والاضطرابات، وتأججت الثورة فى الشمال، وأصبح البشر فى حالة ذھول وتخبط لا يلوون على شئ . وبالقطع، تومئ ھذه الفوضى إلى فترة الاحتلال الفارسى الثانیة . وربما يتراءى ھنا أن التنويھات تبدو عامة وشاملة، كما أن تلك الكتابات ترجع إلى عصر البطالمة؛ وبذا فمن الصعب أن نعتبرھا كأدلة جديرة بالثقة. وكذلك الحال أيضاً بالنسبة لأى وصف على ھذا النمط، كمثل ذاك الذى يمجد ويشید بمفاخر "جدحور".
وھناك إحدى الكتابات الأخرى تم تحديدھا بوضوح فى سیاق التسلسل التاريخى، ويجدر الإشارة إلیھا. إنھا السیرة الذاتیة الخاصة بالمدعو "سمتوتف نخت". ومن خلالھا، يتوجه ھذا الشخص إلى الإله "حريشف رع"، فیقول إنه يشمله دائمًا بحمايته. ثم يشیر إلى بعض الأحداث التى وقعت فى حیاته، فیكتب قائلاً: "لقد میزتنى من دون الآخرين، وفى نفس الوقت أدرت ظھرك لمصر . لقد أوجدت محبتى فى قلب أمیر آسیا، فأخذ رجال حاشیته يغدقون علىّ الثناء والتقريظ، عندما بوءنى جلالته وظیفة كبیر كھنة الوعب التابعین لسخمت، بدلاً عن أخى غیر شقیقى (...) وأسبغت علىّ حمايتك خلال ھجمات الإغريق؛ ودحرت أھل آسیا: فقد تمكنوا من صرع مجموعة ضخمة من حولى ولم يستطع أحدھم أن ينالنى بسوء". ومثله كمثل "أوجا حررسنت" إبان دخول "قمبیز " إلى مصر، عمل "سمتوتف نخت" كطبیب رفیع المستوى. ولقد حدد التسلسل التاريخى ھنا من خلال الإيماء إلى المعارك التى خاضھا الإغريق ضد الأسیويین: ويتبین إذن أن الأمر يتعلق بإحدى المعركتین التى دارت بین الإسكندر ودارا (أمیر آسیا). الأولى: "إسوس" (فى نوفمبر 333 ق.م)، أو الثانیة: "جوجامیلس" (فى أكتوبر 331 ق.م). ولكن، على ما يعتقد أنھا الأولى. وفى ھذه الفترة كان "سمتوتف نخت" قد انضم إلى معسكر دارا الثالث، بل وأصبح من أكثر رجال حاشیته تمیزًا . ومن خلال تقريظه ھذا، نلاحظ أنه حرص على الإشارة إلى أنه فعل ذلك طاعة لأوامر الإله، وبأمره أيضًا، رجع إلى مصر ووجد أن ھرقلیوبولیس لم يصبھا ضرر أو سوء، فى حین كانت المعارك على أشدھا بالمناطق التى عبرھا قبل وصوله.
وتحتم الضرورة إذن توخى الحرص والاعتدال عند قراءة الوصف المتعلق ب دخول الإسكندر الأكبر ظافراً إلى مصر، كما تركه لنا الكتاب الكلاسیكیین. فمن المؤكد أن ھذه الكتابات قد حررت من أجل تمجید وتعظیم الإسكندر، وبذا، تحاول الإيحاء بأن المصريین قد استقبلوا الإسكندر والمقدونیین كمحررين جاءوا لإنقاذھم من الاحتلال الفارسى الذى يضمرون له كراھیة وبغضاء . وھناك نصوص مشابھة لذلك تصف أيضًا دخول الإسكندر ظافراً إلى "بابل". وفى حقیقة الأمر، أن ھذه الكتابات قد أعدت ونظمت فى أجواء موالیة للمقدونیین : فلا السیر الذاتیة المصرية ولا النصوص الكلاسیكیة تسمح بالتأكید بأن المصريین كانوا يكنون كراھیة ومقت للفرس؛ بالرغم من أن الكثیرين منھم، قد قبلوا العمل فى خدمتھم، منذ أن وضع "قمبیز" قدمه على أرض مصر عام 525 ق.م. عموماً، لقد لجأ علیة القوم وكبار المصريین إلى اتخاذ نفس ھذا الموقف إزاء الإسكندر، ومن بعده البطالمة.
بییر بريانت
____________
الإسكندرية ملكة الحضارات
تألیف: جان إيف أمبرور
ومجموعة من علماء الآثار
ترجمة: فاطمة عبد الله محمود
مراجعة: محمود ماھر طه
تألیف: جان إيف أمبرور
ومجموعة من علماء الآثار
ترجمة: فاطمة عبد الله محمود
مراجعة: محمود ماھر طه
