قائمة الروابط
محافل مميزه
الارشيف
لمتابعة جديد الموقع
الملك مقیم للشعائر


الملك مقیم للشعائر
يكلف الفرعون بدفع وتنشیط نوعا من الآلیات القادرة على إطلاق مصادر قوى خارجة عن نطاقه ؛ وفقا لإخراج مرموز بدقة متناھیة وفى ھذا الصدد تصبح كل حركة يؤديھا الملك مماثلة لشعیرة ما ونفس ھذه الشعیرة تنبثق أساسا من برنامج حدد سلفاً ، يھدف خاصة إلى احداث التوافق ما بین النظام الواقع ، والمثالى وتبین الأوصاف والنعوت الفائقة العدد التى يوصف بھا الفرعون ، أنه قادر على التدخل فى كافة المجالات بدون استثناء ، وشأنه تماما كشأن الآلھة التى تستوعب مقدرتھا كافة قوانین الكون وعند كل التماس من الآلھة ، يتم نوع من الاختیار لاستدعائھا فى الھیئة الأكثر ملاءمة للمطلب الملتمس منھا فعلى سبیل المثال ، خلال المراسم النھائیة لإحتفالات التتويج ، حضر "أمون" من أجل تتويج الملك الجديد بصفته " الذى يرأس التحولات" وفى بعض الأحیان أيضا ، نجد أن الملك مقیم الشعائر ، وقد أطلق علیه بداية من الدولة الوسطى لقب " إله إقامة الشعائر" ، قد أضفى علیه أيضا لقب آخر خاص به يتفق مع طبیعة المشھد الذى يؤديه فھا ھو على سبیل المثال رمسیس الثانى ( 1290– 1224 ) وھو يتلقى من يدى حتحور العقد : "منات" ، رمز التجدد والمرح والحبور ، وبالتالى لقب ب" إله الحب الوسیم الوجه ، ذو الشفتین الرقیقتین" وأيضا ، باعتباره " ابن النیل وولید رننوتت" ( ربة الحصاد ) يقوم الفرعون بأداء الشعیرة الزراعیة : تقديم قربان يتكون من أربعة ثیران ولقد انتشرت ھذه التعادلات بین الأسماء وبین الأداء الشعائرى وھى تدل على الترابط والتماسك الكامل بین عناصر العالم بل لقد اتسع مداھا خاصة خلال العصر البطلمى الذى تمیز بالإھتمام بالتوضیح الفائق وتضخیم العبارات وربما قد تبدو لنا التزامات الفرعون كثیرة ومتعددة فھو يقیم الشعائر ، ويصدر القوانین ، ويسھر على توفیر الأمن الغذائى لبلده ، بل ويخوض المعارك على رأس جیشه وقد نستطیع إلى حد ما ، الفصل ما بین الوظائف الملكیة رغبة منا فى التوضیح وقد نحاول أيضا ، وفقا لتنظیم ثلاثى ، تحلیل النظام الفرعونى المصرى ولكن ، فى كافة الأحوال ، ومھما يكن الأمر ، علینا أن نضع فى اعتبارنا دائما أن مفھوم الملكیة فى مصر ھو " ملكیة موحدة تماما ، لا تتجزأ أبداً " إن الفرعون من خلال كل وظیفة من وظائفه ، يجسد ال "ماعت " تجسیدا شاملاً وإن مصر لا تتبع نفس نھج المجتمعات الھندو أوروبیة ، فھى لا تعرف مطلقاً تلك النظم التى ترتكز على بنیه أيديلوجیة تتضمن ، على التوالى : المجال المقدس والقانونى ، والقوى الجسدية والخصوبة ، ولكن ، فى مصر :ترجع النظم الكونیة عملیة الخلق إلى خالق أوحد أو إلى مجموعة إلھیة وفى كافة الأحوال يعتبر العالم ككل متناغم ومتناسق لا يمكن أن تنفصل عناصره عن بعضھا بعضاً أبداً وربما قد تختلف شخصیة وھوية الآلھة عن بعضھا بعضا إختلافا واضحا ولكن بالرغم من ذلك ، فإن كل منھا يساھم فى مجال القوى الخلاقة بل ويعبر عن القوى التى تتبلور فى صورة فعاله فى مجال الظواھر الطبیعیة وربما لذلك ، يلاحظ عدم الوضوح الدقیق فى اختصاصات كل إله بداخل إطار "مجمع الآلھة " ؛ بالإضافة أيضا إلى التبادل الواضح فى الأوصاف أو استعارتھا فیما بین الآلھة وبعضھا بعضا ونفس الظاھرة تنطبق على ما تتخذه الآلھة من أشكال وھیئات متباينة ومختلفه فیما بینھا حقیقة أن ھناك تعدد آلھة واضح المعالم ، ولكن ، لا شك مطلقا فى وجود الإحساس والشعور بوحدة الخالق وعادة ، يحاول الكتاب الكلاسیكیون ، البحث بشكل منھجى عن نموذج مصرى يتفق مع معتقداتھم الشخصیة ومن خلال نفس محاولاتھم ھذه لجأوا إلى إلصاق أسماء إغريقیة بحته بالآلھة المصرية ولا شك أن محاولتھم ھذه لا جدوى لھا ولا نفع : لأنھم يطبقون على العقیدة المصرية تصوراً غريباً علیھا تماماً فإن أوزيريس لا يمكن أن يتطابق أبداً ب "ديونیسوس " ، كما أن مماثلة آمون " رب الآلھة" ب " زيوس " رب الأولمبیاد يرتكز على تشبیه خطأ ومغلوط وحتى بدون فكرة المطابقة والمماثلة ھذه ، تبقى الأدلة الإغريقیة مبھمة وغیر مفھومة فالأمر واضح الصعوبة؛ خاصة أن أى إله مصرى بمفرده ، قد يلقى عدة بدائل ، وھذا ھو عین ما لاحظه " ديودور " نفسه : "عموما ، ھناك تنافر وتعارض فائق فیما يختص بھذه الآلھه [ 000 ] فأحیانا نجد أن أوزيريس قد أطلق علیه إسم "سیرابیس " ، وأحیاناً اخرى " ديونیسوس" ، وتارة يسمى " بلوتون"، وتارة أخرى "آمون" ؛ ومره يطلق علیه اسم " زيوس " ومرة ثانیة يطابقونه بالاله "بان " وھناك من يقول أن "سیرابیس" ھو الإله الذى يسمیه الإغريق " بلوتون " ( ديودور، ، 25- 1) من المؤكد إذن ، أن التعادلات ، التقريبیة بھذا النمط ، يتولد عنھا الكثیر من اللبس والغموض وكذلك الأمر ، قد ينتابنا بعض الشك فى صحة وصواب التدرجات الإجتماعیة السبعة التى عددھا "ھیرودوت" : " الكھنة ، والمحاربون ، ورعاة القطعان ، ومربیو الخنازير ، والتجار ، والمترجمون والبحارة والنوتیة (ھیرودوت 164- 2 ونحن لا نحاول إنكار وجود الكثیر من المھن المتخصصة فى مصر بل ولا نقلل من شأن التدرج الاجتماعى فى نطاقھا فعلى سبیل المثال ، نجد الكاتب المصرى يبدى إزدرائه الشديد للأعمال الیدوية المرھقة التى تنال من نظافة المرء ومظھره بل ھو يتغنى ويتشدق بالإشادة متفاخرا كل الفخر بمھنته ككاتب : " إعمل على أن تصبح كاتبا فسوف ترتدى الثیاب البیضاء الناصعة وعند خروجك من بیتك تحظى بالتبجیل والتعظیم ، ويھب الندماء لتحیتك" فھذه ھى بعض نصائح أب لإبنه ولا شك أنه يوجد أيضا نوع من الإنفساخ الواضح الذى يفرق ما بین الطبقة البسیطة الشأن المكونة من الفلاحین والصناع، والطبقة التى يجسدھا ممثلو المؤسسة الفرعونیة ، وتستوعب أيضا أعضاء الإدارة ورجال الدين ، وقادة الجیش الذين كانوا يستحوذون على كم ھائل من المكافئات خلال فترة توظفھم إذن فلا يوجد ھنا أثر لأى قطع أو فصل ، أو تعارض أو تناقض ما بین الوظائف المدنیة ، والعسكرية أو الدينیة ، لأن جمیعھا ، تصب فى مصب واحد فقط ، ھو : سلطة الفرعون المطلقة فعلینا أن نقر بأن الفكر المصرى يعتقد تماماً بأن الإمتیاز يمتزج بالشمولیة
ولنفس ھذا السبب ، فإن النظام الملكى المصرى ، لا يمكن مطابقته أبداً بأى نموذج من المؤسسات الغربیة ففى مواجھة النظام القائم بالقرون الوسطى على سبیل المثال ، نجد أن الفرعون يشغل ، فى آن واحد وظیفة الأسقف " بالضبط عند ملتقى المرئى واللامرئى " ، " الملزم خاصة بالعمل على توفیر التناغم والتناسق بین العالمین " ، ووظیفة الملك الذى يحول نصائح وارشادات الاسقف إلى قوانین وقرارات عملیة من أجل " إرشاد وتوجیه " رعاياه ، فى المجال ( الدنیوى والمادى ، والجسدى ( ج دلرى ، 1978 ، ص 28)أما فى روما القديمة ، فكان مجمع الكھنة الثلاثة العظام" ھو الذى يقوم بمھمة الربط الروحى مع السماء : "وكل واحد منھم كان يمثل إحدى الوظائف الثلاث المجسدة فى ھیئة إنسان ، وكان يؤديھا ويمثلھا على حد سواء وبجوارھم كان الملك يقوم بمھمة إدارة الحكومة الدنیوية وھنا أيضا، ( دومزيل، 1959 ، ص 313 ) يمكننا أن نلاحظ أن المقارنة تبین بوضوح خاصیة وتفرد " المؤسسة الفرعونیة" فالفرعون يجمع فى قبضته كافة الوظائف التى يجسدھا كل من الكھنة الرومان الثلاثة " : فھو بمثابة النظام الإلھى المجسد فى ھیئة إنسان ؛ وبالتالى ، فھو معفى من الإدراج فى طیات التاريخ ومع ذلك ، فھو على غرار الملك الرومانى ، مكلف "بتنسیق" ھذا النظام وبالتالى ، علیه أن يجابه كافة الأحداث القائمة : توقع تغیرات نسب ارتفاع الفیضان والھیمنة علیھا ، العمل على مطابقة السیاسة المصرية بالمفھوم العالمى .. الخ. ومن أجل تبسیط ھذا البحث ؛ ولأننا نستقى بعض عناصرنا من التخطیط الھندو أوربى ، فإننا سوف نستعین بھذه العناصر من أجل وصف وظائف الفرعون ولكننا فى نفس الحین ، لن نغفل أبداً عن أن كل ھذه الوظائف تنبثق أساسا من الدور الشعائرى الذى يقوم به ملك كاھن تبدو كل حركة يؤديھا سواء تجاه الآلھة أو البشر منبثقة من الجوھر المقدس ولذا ، فإذا !! كانت بعض الأمثلة ، قد أدرجت فى إطار المجرى الزمنى ، فإن دراسة ھذه الوظائف الملكیة لا يمكن أن تصطبغ بصبغة التدرج التاريخى فإن أھم خصائص " المؤسسة الفرعونیة " ترتكز أ ساساً على إدماج الحدث فى مضمون الأبدية والخلود
_________
الفرعون أسرار السلطة
تألیف: مارى آنج بونیم
آنى فورجو
ترجمة: فاطمة عبد الله محمود
مراجعة وتقديم: د.محمود ماھر طه
