الماعت و حكمة الفلاح الفصيح

الماعت و حكمة الفلاح الفصيح
الماعت و حكمة الفلاح الفصيح
الماعت و حكمة الفلاح الفصيح 

ظهرت شكاوى الفلاح الفصيح فى عصر الدولة الوسطى , العصر الذهبى للأدب المصرى القديم الذى قدم للانسانية نصين من أروع النصوص الأدبية العالمية و هما شكاوى الفلاح الفصيح و رواية سنوحى المصرى .
رفع الفلاح الفصيح شكواه الى رئيس البلاط فى تسع مرافعات , عندما تعرض للنهب من أحد كبار رجال الدولة .
تحوى التسع مرافعات التى نسبت للفلاح الفصيح من الحكمة و القيم الانسانية العليا ما يجعلها من روائع الأدب العالمى .
و من الجوانب التى لا يلتفت اليها الكثيرون فى قصة الفلاح الفصيح , أن رئيس البلاط "رنسى ابن ميرو" عندما تلقى الشكوى الأولى من الفلاح الفصيح ذهب الى الملك (نب – كاو – رع ) و أخبره أنه تلقى شكوى من فلاح يحسن القول و يتحلى بالفصاحة و البلاغه , فأمر الملك رئيس البلاط أن لا يرد على الفلاح الفصيح و قال ( لكى يواصل حديثه عليك أن تصمت , و لتأتينا كلمته مكتوبه .... لكى نسمعها , اهتم بمتطلبات حياته , زوجته و أولاده) .
و أمر الملك بعشرة أرغفة (مقدار 3 كيلات من الشعير) و انائين من الجعة يوميا , قام رئيس البلاط باعطائها لأحد أتباعه ليوصلها الى بيت الفلاح بدون أن يعرف مصدر العطاء .
و استمر الفلاح الفصيح فى شكواه , مطالبا باقامة العدل و التحقيق القضائى فى شكواه .
و كان اول رد من رئيس البلاط يمثل تهديدا للفلاح الفصيح فقد قال له رئيس البلاط (هل هذه الأشياء التى تخصك أحب لك من القبض عليك من قبل خدمى ؟)
و لكن التهديد لم يخيف الفلاح , الذى استمر فى شكواه الى أن وصل عدد مرافعاته الى تسع مرافعات .
و قد استغرق ارسال التسع شكاوى فترة من الزمن كان الفلاح يستلم خلالها كميات من الخبز و الجعة ربما تصل الى ما يقرب من كمية الحبوب التى سرقها منه الموظف الجشع الذى نهب ممتلكاته .
لم يكن هدف الفلاح الفصيح من مرافعاته التسعه هو الحصول على ما سلب منه .
لم يكن الهدف استرداد القيمة المادية المسلوبة , و لكن الهدف كان تطبيق القانون على الموظف الجشع الذى سلبه ممتلكاته . اقامة العدل و ارساء دولة القانون كان هو الهدف من تلك القصة و من مرافعات الفلاح الفصيح البليغة .
كانت "الماعت" من أهم القيم التى حرص عليها المصرى القديم , لأن قوانين الماعت هى قوانين التوازن و الاتزان التى تحفظ الكون من السقوط فى هاوية الفوضى , و هى أيضا التى تحفظ الأرض من التحول الى فوضى و ظلام .
و كان الحاكم هو المسئول عن اقامة الماعت (العدل) فى الأرض , فها
هو الفلاح الفصيح يقول لرئيس البلاط : -
لا تقل الكذب أنك الميزان
لا تخطئ لأنك الصواب
أنظر , أنت و الميزان واحد , يميل بميلك
لا تنحرف عن الطريق المستقيم
عاقب السارق , فهذا الجشع ليس عظيما
و ليكن لسانك المؤشر المستقيم للميزان
و المثقال قلبك
و شفتاك ذراعى كفتاه
عندما تتجاهل المعتدى , من يقاوم الشر اذن ؟