المكتبة

محافل مميزه

الارشيف

لمتابعة جديد الموقع

البريد الإلكتروني " الإيميل "

الدولة الحديثة ( 1567 : 1085 ق.م) في تاريخ مصر القديم

الدولة الحديثة ( 1567 : 1085 ق.م) في تاريخ مصر القديم

ربما، تعتبر "الدولة الحديثة" من بعض جوانبھا كاستكمال "للدولة الوسطى". وحقیقة، أن فترة احتلال الھكسوس لأرض وادى النیل قد اعترضتھا لبعض الوقت . ولكن "الدولة الحديثة "، أو بمعنى آخر "الإمبراطورية الطیبیة الثانیة " ھى، بلا أدنى شك، التى بلغت مصر خلالھا أوج عظمتھا وقوتھا. فعندئذ، تمكنت ھذه المملكة من الانطلاق من عزلتھا العسكرية، لتصبح "دولة " إمبريالیة ومحاربة بكل جدارة واقتدار. فھا ھى النوبة قد تحولت، تحت السیطرة المصرية، إلى مستوطنة فائقة الثراء يسوسھا "نائب الفرعون". أما عن كنعان، وفینیقیا، وسوريا، فقد أصبحت جمیعھا مجرد بلاد تحت حماية مصر وسیادتھا: وعین الفرعون بجوار أمراءھا الحكام، بعض كبار موظفیه لمراقبتھم والإشراف علیھم. وبدت مصر وقتئذ، وكأنھا "قائد الأوركسترا العالمى " الذى يقود فريق كافة دول الشرق الأدنى . وسارع الملوك الآسیويون إلى التماس صداقة الفرعون والاتحاد معه. وفى الوقت نفسه، كانوا يقدمون له ضرائبھم وھداياھم.

فى ذاك الحین، كان الملك ما زال يحتفظ بطبیعته الإلھیة، ولكن، كان ھناك ما يروض سلطته ونفوذه ويحد من طموحه: نصوص قانونیة يتسلح بھا "الوزير الأعلى" من خلال استشاراته ومشاوراته مع الملك؛ وأيضا، تدرجات ضخمة من كبار موظفى المملكة الذين يكونون كادرا، أو بالأحرى ھرما متدرجا يتربع الفرعون على قمته، ويقف العامة عند قاعدته . وكان الملك يحكم أساسا، لتحقیق الخیر والنماء والازدھار للدولة ولكافة أفراد الشعب . ويجب أن يعمل كل مصرى من جانبه، على تحقیق ھذا الھدف نفسه. ولم يعد حكام الأقالیم وكبار الموظفون يختارون من ضمن الطبقات العلیا العريقة المنبت. فھا ھى "التعالیم"، تقول، إنھم كانوا يعینون فى مناصبھم وفقا لمزاياھم ومناقبھم الرفیعة. وربما أن حكام الأقالیم، خلال "الدولة الوسطى " كانوا يعتبرون كأمراء إقطاعیین، ولكن، فى نطاق "الدولة الحديثة "، أصبحوا مجرد مديرين أو رؤساء، يشغلون وظیفة ما ضمن كیان وظیفى متدرج ضخم . ولقد وصف الكثیرون "الإطار الحاكم " خلال الدولة الحديثة بأنه "حكم إشتراكى بكل ما تدل علیه الكلمة من معنى". وربما يبدو ذلك مطابقا للواقع النظرى وقتئذ، مع بعض التحفظات.

وعلى مستوى الممارسة العامة، نجد نوعا من الملكیة الخاصة، وتوارث الوظائف، إبنا عن أب، عن جد، سواء فى مجال المھن المتخصصة أو بالإطار الكھنوتى، والجیش، والوظائف العامة . وھكذا، استوعبت المملكة ثلاث طبقات إجتماعیة، تحولت شیئا فشئ إلى نوع من الأرستقراطیة الحديثة.

وبالنسبة للعقائد الجنازية، لم يحدث فى أجوائھا أية تغیرات أو تطورات منذ "الدولة الوسطى". ولكن، يلاحظ أن الملوك قد تخلوا عن فكرة بناء مقابرھم فى ھیئة أھرام . وفضلوا أن يدفنوا بمقابر قائمة تحت سطح الأرض، كمثل عامة الشعب. وبدا واضحا، أن المعمار خلال "الدولة الحديثة"، وخاصة فى عصر الرعامسة إتجه نحو الأحجام العملاقة الھائلة أكثر ما كان فى الأسرة الثامنة عشرة: يتجسد ذلك تماما من خلال الكثیر من معابد ذاك العصر؛ وأيضا، بفضل العديد من التنقیبات . وعن النقوش البارزة، فقد تمیزت خاصة، بالمیل إلى الإستطالة الزائدة والمثالیة؛ ولكنھا، مع ذلك، بقیت شاھدة فعلیة أكیدة على العصر. وأسبغ على الرسوم والتماثیل نوع من الأناقة والفخامة والسحر والجمال؛ ولكنه أحیانا، كان يجنح نحو التصنع والتكلف والخروج عن المألوف: خاصة إذا نظرنا، إلى بعض التشوھات التى شابت النقوش والرسوم فى عھد العمارنة.

ونرى أن تلك السمات نفسھا، قد تراءت أيضا على مستوى فن النحت: مغالاة فائقة فى المثالیة إلى درجة وقوعھا فى الواقعیة المفرطة المصدمة : لوحظ ذلك خاصة إبان فترة العمارنة.وقد عبرت بقیة الفنون أوضح تعبیر عن تلك الفترة الفائقة الثراء، والأبھة، المتوجة بمظاھر العالمیة الفعلیة المنبثقة من الغزوات والفتوحات المصرية بآسیا : من خلال روابط إتصال حديثة، وفرت مواضیع وعناصر إلھام مستحدثة.

وقد تمیزت الدولة الحديثة، فى ھذا الصدد، غالبا، بالفخامة المفرطة الفائقة الحد، والرفاھیة المتناھیة، المنبئة بأفول وشیك؛ وولع بالذھب، ومظاھر الأبھة الزائدة التى قد تنال أحیانا من ضرورات الأناقة والذوق الرفیع والبساطة التى تمیزت بھا المواضیع الفنیة الأسیوية . وعلى المستوى الأدبى، تعددت الكتابات على البردى والش قفات. وأفعم المصريون بذوق رفیع المستوى وولع ملحوظ بالجمال ومباھج الحیاة. وعبروا عن كل ذلك، بأحاسیس جديدة، تفتحت وازدھرت، فى مجال الشعر العاطفى الوجدانى. وفى نفس ھذا الإطار، استمر الحكماء وأصحاب النزعة الأخلاقیة فى تقديم ونشر تعالیمھم ونصائحھم؛ فى عالم متوث ب متوقد حیث يحاول الإنسان، من خلال متع الحیاة ومباھجھا، أن يطور من نفسه ويرتقى بھا.

وفى نھاية الأمر، أختتمت مصر ھذه الحقبة بسلسلة من الحروب ضد أعداء جدد يشرأبون لغزوھا واكتساحھا: ھم "شعوب البحر". يضاف إلى ذلك أيضا اضمحلال ونضوب، قوة مصر وحیويتھا؛ ولذا، فسرعان ما وقع ھذا البلد، بعد الأسرة العشرين، بین براثن كھنة آمون، ثم فى قبضة المرتزقة اللیبیین: قاموا بتأسیس مرحلة إقطاعیة جديدة، استتبعھا انحدار مصر نحو الھاوية . ولم تقم لھا قائمة من بعد؛ بالرغم من بعض التألق العابر فى العصر الصاوى، والإغريقى . وفى نھاية الأمر، فإن الحضارة المصرية الفعلیة الصمیمة، الأصیلة، المتألقة بالقوة والحیوية، النابضة بالسحر والعنفوان، قد توارت وأفلت نحو المغیب، بعد التوھج والتوقد المنقطع النظیر، النھائى،الذى بعثته "الدولة الحديثة" فى كافة جنبات تاريخ الإنسانیة جمعاء.
___________________
الموسوعة الشاملة للحضارة الفرعونیة
تألیف: جى راشیه
ترجمة: فاطمة عبد الله محمود
مراجعة وتقديم: د.محمود ماھر طه


إشتـرك يصــلك كل جديــد:
*ستصلك رساله على ايميلك فيها رابط التفعيل برجاء الضغط عليه حتى يكتمل اشتراكك*

تابعونا على الفيس بوك

قائمة متابعي الموقع

تعريب وتعديل: بلوجر بالعربي

Crown of Egypt "تاج مصر للتراث الفرعوني"