قائمة الروابط
محافل مميزه
الارشيف
لمتابعة جديد الموقع
صناعة استخراج المعادن في مصر الفرعونية


صناعة استخراج المعادن في مصر الفرعونية
ربما بدت مصر متأخرة إلى حد ما فى مجال الصناعات المعدنیة عن جیرانھا الأسیويین . ولكن، مع ذلك، بین الحرفیون عن كفاءة ومھارة عالیة. ولاشك أن نماذج إنتاجھم التى رأيناھا تؤكد ذلك تماما؛ ومنھا: الأسلحة، ومختلف الآلات والأجھزة، والتماثیل، والكثیر من الأشیاء المستعملة فى إطار الحیاة الیومیة (كمثل أدوات الزينة، والمرايا، والحلى). وقد أكدت لنا بعض المشاھد، أنھم عرفوا كیف يصبون أبوابا برونزية خاصة بالمعابد . وبتأمل بعض نقوش مقبرة المدعو "رخمیرع "،
نشاھد عملیة صنع مصراع باب من البرونز من أجل معبد "آمون رع ". فھاھم إ ذن، ثلاثة رجال أشداء يقودھم أحد الكتبة الرسمیین المكلف أساسا بمراقبة عملیات دخول ھذا المعدن إلى الورشة؛ وھم يحملون بداخل سلال ضخمة بعض سبائك البرونز . وفى أعمق أعماق ورشة الحدادة ھذه، أشعلت وأججت كتلة من النیران بفضل منفاخین، يشغلھما رجلان واقفان فوق طرفیھما. ويبدو المعدن البرونز وھو ينصھر بداخل بوتقة يمسك بھا حدادان بواسطة كلابات مستطیلة الشكل. بعد ذلك، يتم سكبه بداخل قالب الباب المستطیل الھیئة، بواسطة أقماع صغیرة توزع المعدن المنصھر فى كافة أنحاء القالب المذكور، وتفرقه بالتساوى بكل مساحته .
وھناك مشھد آخر يرجع إلى "الدولة القديمة"، ويتیح لنا ھو الآخر، فرصة دخول أحد ورش الحدادة الخاصة بصناعة الزھريات والأوانى ومختلف الأشیاء الدقیقة الحجم . وھنا أيضا، نرى أحد الكتبة وھو يسجل ورود كمیة المعدن ومقدارھا. وفى ذاك الحین، لم يكن المنفاخ قد عرف بعد . ولذا، فمن أجل تأجیج النیران،كان العمال يقومون بالنفخ فى أنابیب مستطیلة الشكل؛ وربما اعتقد البعض أن ذاك المشھد قد يمثل صناعة الزجاج بأسلوب النفخ: فالمصريون لم يعرفوا ھذه التقنیة مطلقا. وبالنسبة للأفران بمصانع التعدين ھذه، فقد كانت تعمل بالخشب؛ ولذا، فإن عملیات صھر المعادن، وقتئذ، لم تكن أبدا من الأمور السھلة الیسیرة. بعد ذلك، يتم طرق المعدن فوق سندان حجرى مسطح الشكل. وبداخل نفس تلك الورش، يمكن أن نشاھد أيضا عملیات الطرق على البارد، وقرض ونقش الأدوات المزمع إنتاجھا، بعد إعطاءھا شكلھا الأساسى . عموما، كان المصريون القدماء، من أمھر نقاشى وقراضى المعادن فى العالم أجمع؛ فھذا ما تبینه بالفعل الكمیات الھائلة من المجوھرات والحلى القائمة فى متاحفنا المعاصرة والتى تثیر الإعجاب بروعتھا وجمالھا.
وربما قد لاحظنا أن الكثیرين من فنانى الصیاغة وكبار الحرفیین قد حظوا بتقدير الملوك واھتمامھم، ولكن العاملون فى مجالات صناعة المعادن لم يلقوا مثلھم حظا مواتیا : "لم أسمع أبدا أن بعض حرفى التعدين قد أوفدوا بإحدى البعثات، أو بعثوا كسفراء. فإننى أرى الحداد دائما، منكب على عمله، أمام فوھة فرنه الحامیة: وھا قد أصبحت أصابعه شبیھة بجلد التماسیح فى غلظتھا وخشونتھا. وغدا أكثر نتانة وعفنا من صغار الأسماك أو بیضھا". ولاشك أن ھذه "اللوحة " التى يرسمھا لنا مؤلف كتاب "ھجو الحرف الیدوية" لا تبدو جمیلة مطلقا. ومع ذلك، فإن الصیاغ، وصانعوا المعادن، كانوا يمارسون أعمالھم ويتعاونون فى وئام وتكامل رائع، وكأنھم أعضاء أسرة واحدة. بل كانوا يتناقلون أسرار مھنتھم ابنا عن أب . ويشعرون بكل الفخر والإعتزاز بكفاءاتھم ومھاراتھم الرفیعة. فھذا ما تؤكده الكثیر من كتابات مقابرھم.
________________
الموسوعة الشاملة للحضارة الفرعونیة
تألیف: جى راشیه
ترجمة: فاطمة عبد الله محمود
مراجعة وتقديم: د.محمود ماھر طه