المكتبة

محافل مميزه

الارشيف

لمتابعة جديد الموقع

البريد الإلكتروني " الإيميل "

عند حدود الغائبة

عند حدود الغائبة

فى القرن الثانى المیلادى، أمر الإمبراطور "تراجان"، بإبعاد "جوفنال " إلى مصر . فقد أتھم بالوقاحة والابتذال لأنه تھكم وسخر من جمال ووسامة "باريس"، وأيضاً، بما وقع ل"ھیلین " الحسناء من مصائب ومحن. وفى ھذا البلد، كلف بمھمة حكم مدينة "سیین " (أسو ان)، وكذلك تولى مركز قیادة الكتیبة الرومانیة القائمة جنوب ا. ولاشك أن ھذا الشخص، قد اعتبر نفسه وقتئذ، من أكثر الناس تعاسة، فى تلك المنطقة: بالرغم من أن الكثیرين من الرحالة، فى وقتنا ھذا، يحلمون دائماً بالعودة إلیھا .. بعد أن بھرھم سحرھا وجمالھا الأخاذ!

بلا ريب أن "جوفنال" ھذا، لم يكن يجد فى تلك الأجواء ما يشبع میله المعتاد إلى الذم والھجاء. وبذا، فقد اكتفى بمجرد ترقب وصول مجموعات "الورعین المتزمتین"، الذين كانوا يتوغلون حتى مدينة "مروى" القائظة الحرارة فى قلب "كوش" (السودان)، لكى يحصلوا على میاه الفیضان المقدسة .. ذات المنافع السحرية الأسطورية: لكى يطھر بھا معبد إيزيس (الأھجوة السادسة –   526 ).

ومع ذلك، فإن مدينة " سونو Sounou  " الشھیرة باسم: سیین Syène أى أسوان الحديثة، شمال الشلال الأول، على ضفة النیل الشرقیة .. لم يكن ينقصھا الجمال والجاذبیة: حیث ينبثق ھذا النھر الإلھى من خلال سلسلة جزر صخرية صغیرة . وھناك، يتراءى الجرانیت الوردى اللون، أو نادراً الرمادى، وقد اتخذ، بسبب التآكل والنحت على مدى آلاف السنین، لوناً يماثل قلب زھور السوسن السوداء، كما تتشابه حوافه وخطوطه بأشكال الحیوانات غلیظة الجلد، كالأفیا ل. أما عن تلك الجزيرة الرومانسیة السمات "إلفنتین"، القريبة جدا، القائمة غربا، فإن إسمھا العريق يومئ إلى كلمة "آبو" (عاج )، أو بالأحرى، منطقة الأفیال بالصحراء الجنوبیة المتاخمة لھا .. حیث كان الجنود فى عصر الاحتلال الرومانى يقومون بمطاردتھا أو اقتناصھا.

قطعاً، لم يكن "جوفنال" من صائدى الوحوش الضخمة، ولا من الباحثین فى علوم وخصائص الشعوب. ولو كان كذلك فعلا، فمن المؤكد، أن أبحاثه وتحرياته، كانت ستؤتى ثمارھا فى نطاق ھذا المزيج الفائق للمألوف من البشر: الذين قابلھم عند الحدود النھائیة، ھابطا مجرى النیل .. قبل الوصول إلى العاصمة الكبرى مصر ومعظمھم من ساكنى ضفاف ھذا النھر.

ويتبین أن كافة الحمولات على ظھر السفن الوافدة من "الجنوب"، كانت تتكون من منتجات المناطق الافريقیة النائیة. وكان المسافرون، وكذلك الحیوانات ومختلف المنتجات، يتم إنزالھا غالبا قُبیل "الشلال الأول". وعندئذ، تتراءى، على مدى امتداد السواحل الصخرية قوافل لا أول لھا ولا آخر، حیث نُشاھد فى أجوائھا الجمال التى أحضرت حديثا إلى ھذه المنطقة. وكذلك، توجد بھا، تلك الحیوانات الألیفة الوفیة القوية التحمل: حمیر مصر .. وقد عرفھا المصريون منذ أزمنة موغلة فى القدم!

على مدى تعاقب القرون، اعتبر "باب أفريقیا" ھذا، أو بالأحرى ھذه الحدود الطبیعیة، بمثابة الموقع النھائى للمراقبة والتسجیل: عند وصول المنتجات أو بالتحديد: الغنائم اللازمة لإثراء خزائن الفراعنة. ولكن، فى ذات الحین، أعتبرت ھذه المنطقة: أكثر أسواق أفريقیا اتساع مدى وثراء!! يلاحظ، أن الأصول المدنیة الأولیة، قد تمركزت، منذ عصر الأسرات الأولى، فى جزيرة "إلفنتین". وھناك، كانت المخازن والمستودعات تحظى بحماية وحراسة قلعة مصرية حصینة؛ ورعاية "خنوم " رب الشلال . لقد قام ھذا التجلى الإلھى، الفخرانى، ذو رأس الكبش، بتشكیل البشر بواسطة طمى النھر. إنه يسود على تلك المنطقة بصحبة رفیقته، "ساتت "، رامیة السھام؛ التى يعتلى رأسھا قرنا غزال .. إنھا ترشق سھامھا، فى قوة وسرعة المد الفیضانى العاتى . بعد ذلك، إنضم إلى ھذا "الثنائى" الإلھى جوھر ربانى آخر؛ لا تقل رشاقة عن "ساتت" نفسھا. إنھ ا "عنقت " التى تتوج رأسھا بشعر وحشى السمات متطاير الخصلات وكأنه سعفة نخیل. وربما أنھا، من خلال "تسريحتھا" ھذه، توحى بأنھا ربما كانت من بنات "واوات"؛ أى النوبة المصرية غیر البعیدة عن ھذه المنطقة.

إن ھذه النوبة نفسھا، والرسالة التى تضمنتھا نُصبھا ومنشآتھا ال كبرى ستكون دراستنا في هذا القسم . ولقد أوحت أيضا، من قبل، لما حظت به من أسطورة، بدراسة وبحث آخر، بعنوان : "غرام واحتدام ثورة البعیدة"، إنه بمثابة استھلال للتفھم اللازم لبعض الرموز .. وبذلك نستطیع اختراق وولوج أسرار عالم المعابد التى شیدھا الفراعنة فى بلد "الذھب " (نوب ) .. ومنه استمد اسم "النوبة"!! النوبة المصرية!.. إنھا تكون منذ الحقبة الكلاسیكیة الفرعونیة العتیقة، ما يُعرف ببلاد "واوات". وتقع، تحديدا، ما بین "الشلال الأول" و"الشلال الثانى " لنھر النیل . وتحدھا، أسوان من ناحیة الشمال؛ و"وادى حلفا" جنوبا. وفیما وراءھا، وتعمقا فى جوف القارة الافريقیة، تبدأ حدود بلاد "كوش" (السودان حالیا). وتتمیز النوبة بأنھا منطقة ھادئة، حارة، رمالھا ذھبیة الضیاء، يوحى لونھا إلى المعدن النفیس الذى خلقت منه أجسام الآلھة. وتُعد النوبة كذلك بمثابة أملاك حتحور .. ھذه الربة التى تعمل مشاعر حبھا على كبح وھزيمة الموت!

إشتـرك يصــلك كل جديــد:
*ستصلك رساله على ايميلك فيها رابط التفعيل برجاء الضغط عليه حتى يكتمل اشتراكك*

تابعونا على الفيس بوك

قائمة متابعي الموقع

تعريب وتعديل: بلوجر بالعربي

Crown of Egypt "تاج مصر للتراث الفرعوني"