قائمة الروابط
محافل مميزه
الارشيف
لمتابعة جديد الموقع
من الإسكندر إلى بطلمیوس


من الإسكندر إلى بطلمیوس
عند موت الإسكندر وخلال توزيع المقاطعات والأقالیم الذى أجرى فى بابل طالب بطلمیوس بن لاجوس بإعطائه حكم مصر. وكان له ما أراد .. وبالقطع، كانت مصر، فى تلك الاونة لا تعدو أن تكون مجرد مقاطعة بداخل امراطورية ضخمة تتسم بالشمولیة والإتحادية، حیث كانت الأوامر تصدر باسم خلیفى الفاتح العظیم الذى انتقل إلى العالم الآخر. وھما فیلیب والإسكندر الرابع . ولم يكن ھناك أدنى شك، وقتئذ ( 323 ق.م) فى أن بطلمیوس كان يضمر فى قرارة نفسه ھذه الفكرة : أن يستأثر لنفسه بمقاطعة خاصة به. ولتنفیذ ھذا الھدف، حاول أن يضفى على طموحه الشخصى ھذا صورة للخلافة البنوية. ولعلنا نعلم أن الشريك فى الحكم برديكاس، كان قد قرر دفن جثمان الإسكندر فى مقدونیا بجبانته الملكیة فى منطقة إيجاى. وأثناء سیر الموكب الجنائزى حاملاً للنعش متوجھًا من "بابل" نحو آسیا الصغرى، تمكن بطلمیوس من تغییر مسیرته، وجعله يتجه نحو أرض وادى النیل . ولا
شك أن امتلاك الجثمان والاستحواذ علیه كان يعتبر كضمان للشرعیة. ولكن، مما يؤسف له، أننا لا نملك المعلومات الوافیة بخصوص أحوال وتسلسل العملیات فى ھذا الصدد . ولكن، على ما يعتقد، فى البداية، دفن جثمان الإسكندر بإحدى مقابر "منف"، وفقًا للتقالید المقدونیة. ثم، فى وقت لاحق، (ربما إبان عھد بطلمیوس الثالث؟)، نقل الجثمان إلى ضريح فخم كان قد أعد خصیصًا من أجله بالإسكندرية.
ولاشك أن عملیة النقل ھذه تعبر عن أن تلك المدينة التى أسسھا الإسكندر قد تطورت ونمت بشكل ھائل فى عھد الملكین الأولین الذين حملا اسم "بطلمیوس". فكان ھناك حى كامل يزدان بالقصور والمساكن الفخمة الخاصة بالملوك والحاشیة. وبالتأكید، أن ھذا الانتقال قد وجه ضربة قوية للعاصمة القديمة "منف"، ولكنھا بالرغم من ذلك استطاعت أن تحتفظ بجزء من أھمیتھا وعلو شأنھا، باعتبارھا مركزًا عسكريًا واقتصاديًا فى آن واحد، بالرغم من الوصف الذى قام به "سترابون " إبان العصر الرومانى، قد ركز بوجه خاص على دورھا العقائدى عمومًا، لقد أصبحت "منف "، بشكل أو بآخر العاصمة الثانیة للمملكة، حیث كان الملوك البطالمة يقیمون بین وقت وآخر : لیقروا بذلك عن قیمتھم كفراعنة. فھذا ما تم فعلا بعد النصر الغیر متوقع الذى أحرزت ه جیوش بطلمیوس الرابع فى موقعة رافیا Raphia عام 217 ق.م وبمنف أيضًا، فى شھر نوفمبر عام 217 ق.م، أصدر مجمع كھنوتى مصرى مرسومًا مسھبًا تمجیدًا لأحد الملوك الذى كان يصور أحیانا فى ھیئة "فرعون "، وأحیاناً أخرى فى شكل ملك إغريقى. ولاشك أن المنظر الممثل فوق إحدى "لوحات الجبھة، لجدير فعلا بالاھتمام: نرى بطلمیوس مرتديا الملابس الفرعونیة والتاج المزدوج، وقد امتطى ظھر جواده ويطعن أحد الأعداء الذى قدمه له إلھا محلیا، لیس بواسطة الرمح الفرعونى المعتاد، ولكن بحربة مستطیلة مقدونیة الطراز (ساريس).
ھا ھو إذن بعض الغموض كانت تتسم به الملكیة وقتئذ، ولا شك انه رجع إلى أوائل عھد الإسكندر ثم بطلمیوس الأول. فمثله مثل الإسكندر، حاول بطلمیوس أن يبدو، فى آن واحد إغريقى ومقدونى مظفرا وغازيا، وأيضًا كسلیل الفراعنة. وكذلك نھج على سیاسة نشطة وفعالة فى مجال تشیید المعابد والمقاصیر المتطابقة تماما بالنمط المصرى. ومن منطلق ھذه السیاسة، نجد أن أوضح دلیل ھو ذلك النُصب المعروف تحت اسم "لوحة الحاكم": وقد نقش بالقسم الأعلى أحد المشاھد التقلیدية التى تمثل الملك وھو يقدم، ومعھا نص مطول بالكتابة الھیروغلیفیة أُرخ بالعام السابع من حكم الإسكندر. ففى أثر الانتصار الذى أحرزه بطلمیوس فى سوريا على أعدائه أنتیجون، وديمتريوس أقیم ھذا النصب التذكارى تمجیدا وتعظیما له: "إنه رجل فى شرخ الشباب، قوى الشكیمة، حكیم متعقل، إنه يقود الجمیع، لا يھاب أحد ولا يخشى شئ، راسخ القدمین. يعرف كیف يدمر أكثر الأعداء ضراوة ولا يولى الأدبار أبدًا (…) وخلال القتال، لا يستطیع أحد الصمود أمامه، فذراعه فائق العنف، ولا يمكن لأحد أن يغیر اتجاه قبضته". حقیقة أن ھذا التقرير يتمیز بالكثیر من الأوصاف الإغريقیة، ولكن، بالرغم من ذلك فإن معظمه يصف صوراً مصرية بحتة: "بعد انتصاراته على الأشو ريین وسكان قورينة قبض علیھم جمیعًا جملة واحدة وأخذھم إلى مصر": ھاھى إذن الأيقنة الفرعونیة تتراءى ھنا بكل وضوح: حیث يمسك الملك المنتصر بأعدائه المھزومین من شعورھم.
ولقد مثل بطلمیوس أيضًا فى صورة من ثأر لمصر وللآلھة المصرية من الدمار الذى اقترفه الفرس. فقد قام فعلاً بإعادة تماثیل الأرباب التى نقلت من أرض وادى النیل إلى آسیا، ومعھا كافة التجھیزات المقدسة، والكتب التى أخذت من معابد مصر : وقام بإيداعھا فى نفس مكانھا السابق التى انتزعت منه. وخلاف ذلك، فحینما كان بالدلتا الغربیة، قرر أن يعید إلى معابد "بى "، و "تب " الأراضى التى كان قد كرسھا لھا الفرعون المصرى "خباباش"، وكان الفرس قد استولوا علیھا : لقد أُعتبر بطلمیوس إذن بمثابة سلیل لآخر الفراعنة الذى كان قد تمرد على الغزو الفارسى الثانى وثار علیه.
بییر بريانت
____________
الإسكندرية ملكة الحضارات
تألیف: جان إيف أمبرور
ومجموعة من علماء الآثار
ترجمة: فاطمة عبد الله محمود
مراجعة: محمود ماھر طه
تألیف: جان إيف أمبرور
ومجموعة من علماء الآثار
ترجمة: فاطمة عبد الله محمود
مراجعة: محمود ماھر طه
